ويُرجع كثيرون ذلك إلى أسباب عدة، أهمها أن الطرفين يغلِّبان المصالح الحزبية والشخصية على المصالح الوطنية العليا.
ويرى المحلل السياسي خليل شاهين أن فشل حوار المصالحة في الدوحة كان أمرا متوقعا في ضوء الفجوات الكبيرة بين موقفي "فتح" و"حماس"، لا سيما أن المعادلة التي يجري اعتمادها من كل طرف تقوم على إقصاء الطرف الثاني، أو تحقيق منافع من المصالحة.
ويشير شاهين إلى أنه لا يمكن على سبيل المثال إخراج "حماس" من المشهد تماما، وخاصة إنهاء حكمها في قطاع غزة، من دون إشراكها في النظام السياسي الفلسطيني شريكا أساسيا، سواء على مستوى السلطة أو على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي المقابل، يبين المحلل السياسي أن على "حماس" أن تدرك أيضا أنها لا تستطيع السعي من أجل بناء نظام سياسي فلسطيني موحد وديمقراطي مع استمرار الاحتفاظ بموظفيها بالطريقة، التي جرى فيها تعيينهم خلال السنوات الماضية. لذلك، فإن الخلافات القائمة لا يمكن أن تسمح بإمكانية حدوث توافق ما لم يتنازل كل من الطرفين على قاعدة المعادلة الواضحة، وهي إن تخلي "حماس" عن الحكم في قطاع غزة يجب أن يقابل بضرورة إشراكها ببنية النظام السياسي الفلسطيني.
والخلافات الأساسية لا تزال مرتبطة بالقضايا التي جرى القفز عنها خلال السنوات الماضية في إطار حوارات المصالحة، وخاصة البرنامج السياسي الذي جرى تجاهله بالكامل. إضافة إلى القضايا المتعلقة بدمج الأجهزة الأمنية وتفعيل دور المجلس التشريعي والإطار القيادي الموحد.
وعندما حانت ساعة الحقيقة بفعل الضغوط الشعبية الفلسطينية من اجل تحقيق المصالحة، ارتبط الطرفان بالقضايا التي قاما هما بترحيلها باستمرار، خاصة أن البرنامج السياسي الذي يشكل الآن عائقا كبيرا أمام ما يتعلق بكيفية اعتماد البرنامج الذي سوف يقَر في حكومة الوحدة الوطنية في حال التوافق على تشكيلها.
وفيما تصر حركة "فتح" على أن يكون البرنامج هو برنامج الرئيس، معتبرة أنه برنامج منظمة التحرير، ترى حركة حماس أن وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بوثيقة الأسرى تشكل أساسا صالحا لبرنامج الحكومة.
أما بالنسبة لقطاع غزة، فيرى مراقبون أنه أصبح يشكل حالة ضاغطة بشكل رئيس على الفلسطينيين المقيمين فيه بسبب الأزمات الاقتصادية والحصار. وفي المقابل، هو أيضا يشكل حالة ضاغطة على حركة "حماس". ومن الواضح أن هناك من يراهن على استمرار هذه الحالة في القطاع أملا بانفجار الوضع، وبالتالي الضغط على "حماس" أكثر فأكثر حتى تُجبر على القبول بما تطرحه حركة "فتح" على طاولات حوارات المصالحة. صيغةٌ يستبعد شاهين أن تنجح، وخصوصا أن من يدفع الثمن هو المواطن الفلسطيني العادي. كما أن استمرار توتر العلاقة بين حماس ومصر، من شأنه مفاقمة المشكلات الموجودة في القطاع.
فشل متكرر للمصالحة
ويعزو المحلل السياسي جهاد حرب فشل المحاولة إلى غياب إرادة سياسية واضحة لإنهاء الانقسام؛ حيث كل طرف يريد تمرير مطالبه من دون النظر إلى مطالب الآخر. وهذا يعني إصرار كل طرف على المكاسب التي حققها من الانقسام وعدم رغبته بدفع ثمن المصالحة.
"أعتقد أن هذه جولة من الجولات المتكررة، وأعتقد أن المسالة لا تتعلق بفشل (يرتبط) بكل ما تم الاتفاق عليه سابقا، بل بفشل هذه الجولة" فقط. ومن الممكن، يقول حرب، أن يُستأنف الحوار بدعوة قطرية أو ربما مصرية خلال الفترة المقبلة.
ويتوقع جهاد حرب أن يقوم الجانب المصري أولاً بدعوة وفد من حركة "حماس"، ما يعني عودة تفعيل الدور المصري على مستوى المصالحة، وثانيا، أن تعود المشاورات الداخلية بين الطرفين لإبداء بعض المرونة في المواقف والتخفيف من الأعباء عن الفلسطينيين في قطاع غزة، لكي يكون ذلك ممهداً للوصول إلى اتفاق حول بعض القضايا المتعلقة بتشكيل الحكومة وربما الذهاب إلى انتخابات فلسطينية باعتبارها مدخلا إلى الحل، وإنهاء الانقسام.
في النهاية، لم تكن هناك آمال عريضة معلقة على هذه الجولة من المحادثات، ومعظم المواطنين الفلسطينيين لم يعيروا مباحثات الدوحة اهتماما، لأنه لم يعد هناك توقعات ايجابية من الجمهور الفلسطيني بشأن المصالحة، ويعود ذلك إلى خيبة أمله المتكررة من الاتفاقيات والبروتوكولات التي أُعلن عنها من دون تطبيق فعلي لها.
ولاء شمالي - رام الله