حدث ذلك بعد أن نشرت دير شبيغل تقريرا العام الماضي عن "أمير الظلام"، ضابط استخبارات الدفاع الجوي السابق في عهد صدام حسين، سمير عبد محمد الخليفاوي الملقب بحجي بكر، والذي ترك خلفه بعد مقتله في مدينة تل رفعت بسوريا عام 2014 وثائق، تحصّلت المجلة على 31 صفحة منها قدمتها على أنها خطة تنظيمية متكاملة أعدت بهدف إقامة دولة "استخبارات إسلامية" نكاية بالأمريكيين.
وكرس تقرير دير شبيغل " الخليفاوي" زعيما فعليا لـ"داعش" في مقابل البغدادي الزعيم الرسمي، الذي وُجد، كما تذهب المجلة، لإعطاء التنظيم صبغته الدينية.
وهكذا حوّلت هذه الرواية تنظيم "داعش" الدموي والعنيف والذي تمكن من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا والعراق وأقام فروعا في اليمن وليبيا ومد أذرعه إلى أدغال إفريقيا، إلى ما يشبه قصص الرسوم المتحركة التي يمكن بسهولة لمصمم واحد أن ينسج أحداثها وينفخ الحياة في شخوصها.
وتضمنت الوثائق المنسوبة لحجي بكر رسوما تخطيطية تنظيمية وقوائم وتعليمات، تقول دير شبيغل أنها تبين كيفية إخضاع دولة تدريجيا عبر وسائل متنوعة من الدسائس والخداع والتستر بالجمعيات الخيرية والزواج من العائلات النافذة، ووصفتها بأنها مرجع "لأنجح جيش إرهابي في التاريخ الحديث".
وانسجمت دير شبيغل مع هذه الرواية البوليسية فذكرت أن حجي بكر ومجموعة صغيرة من ضباط الاستخبارات العراقية السابقين نصّبوا البغدادي عام 2010 أميرا ثم "خليفة"، وفعلوا ذلك ليكون بمثابة واجهة لهم.
ولكي تؤكد المجلة الألمانية أن توجه هذا الضابط الاستخباراتي السابق قومي مثل حزب البعث وليس إسلاميا، أبرزت شهادة قاتليه بأنهم لم يعثروا على أي نسخة من القرآن في منزله.
فعلت هذه المطبوعة ذلك ربما لا إراديا حرصا على نسق روايتها البوليسية حيث جعلت من ظاهرة التطرف المركبة بجذورها التاريخية وبانبعاثها المعاصر مرورا بتأثيرات الحروب والغزوات والأحداث الكبرى المدمرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، زوبعة، كل حدودها، فنجان ضابط استخبارات سابق بمواهب خارقة.
ولم تكتف دير شبيغل بذلك، بل وعثرت على علاقة طويلة بين حجي بكر واستخبارات الرئيس السوري بشار الأسد قالت إنها دامت عقدا من الزمن، نسّق خلالها "الطرفان" و"جهاديون دوليون" منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقل آلاف المتطرفين من ليبيا والسعودية وتونس إلى "القاعدة" في العراق!
وعلى الرغم من إمكانية أن تكون دمشق قد غضت النظر عن تسلل متطرفين عبر حدودها إلى العراق أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، إلا أن المجلة الألمانية جمعت المتناقضات لإذكاء مثل هذا الانطباع، ولم يعد حجي بكر ورفاقه من رجال الاستخبارات العراقية السابقين العاطلين عن العمل مهندسي "داعش" فقط، بل وعملوا "محركا" لتنظيم القاعدة، والأهم أن المجلة قررت ذلك بجرة قلم كما لو كان مسلّمة لا تحتاج لأي إثبات أو دليل.
وبعد أن طويت صفحة حجي بكر، فُتحت صفحة حجي إمام، أو عبد الرحمن مصطفى القادولي، المعروف بأبي علاء العفري وبأبي علي الأنباري الذي قتل خلال غارة أمريكية على دير الزور في مارس من العام الجاري، ووصف أيضا بأنه العقل المدبر لـ"داعش" والمرشد الأكبر والرجل الأقوى، والقائم على استخبارات التنظيم والمسؤول عن المال والأمن.
وهذه المرة لم يجدوا ما يربط الرجل بالنظام العراقي السابق، وظهر بسجل حافل من تطرف إلى آخر، ومن غلو إلى ما هو أشد منه، فما الذي يجمع بين حجي بكر وحجي إمام وآخرين من طينة أبي مهند السويداوي وأبي مسلم التركماني وأبي عبد الرحمن البيلاوي؟
معظم هؤلاء القادة الكبار ومن بينهم من هو بخلفية عسكرية مثل حجي والسويداوي والبيلاوي صُهروا في سجن بوكا الأمريكي، وتخرجوا من هذا المعتقل الذي كان قاطنوه يسمونه بـ "ألأكاديمية"، إلا أن هناك من يدر الرماد في العيون ويحاول بإصرار عجيب أن لا يربط صرة "داعش" إلا بنظام صدام حسين، وأن يوهمنا بأن ظاهرة "داعش" ما هي إلا مؤامرة حاكها ضابط استخبارات ماكر، عاطل عن العمل.
محمد الطاهر