على الرغم من أن الولايات المتحدة تعودت أن تحشد حلفاءها قبل أي معركة مصيرية كبرى، كما حدث ذلك أثناء غزو أفغانستان والعراق وعمليات قصف ليبيا، إلا أنها فيما يبدو قررت هذه المرة الاعتماد على حلفاء محليين على الأرض في العراق وسوريا وليبيا، تؤازرهم فرق من المستشارين الأمريكيين ووحدات من القوات الخاصة، وقوة نارية ضاربة من الجو.
إذا صح مثل هذا التحليل فهذا يعني أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرر أن يضيف "البغدادي" إلى سجل انتصاراته في البيت الأبيض قبل مغادرته، وأن يضرب بحجر واحد أكثر من عصفور، بما في ذلك إتاحة فرصة أوفر للمرشح الديموقراطي للفوز بالسباق الرئاسي.
تمكن أوباما حتى الآن من تسجيل عدة انتصارات هامة على حائط مجده، كما يفعل الأباطرة على مر التاريخ، منها التخلص من أسامة بن لادن ومن معمر القذافي ومن الملا أختر منصور، وإذا أضيف إلى هذه القائمة الرقة والموصل وسرت والبغدادي، فسيغادر الرئيس الأمريكي منصبه مطمئنا على مستقبله التاريخي بغض النظر عن الخراب والمآسي التي تتعاظم في المنطقة وتتوالد نتيجة للمغامرات الأمريكية، إذ أن مثل تلك الأخطاء الجسيمة والفادحة لا تكترث لها سجلات الإمبراطوريات الكبرى التي تجد دائما بريقا تضيفه إلى نجوم مجدها.
حسنا، إذا سقطت الرقة والموصل وسرت، فإلى أين سيذهب الدواعش "المهاجرون" الذين قدموا إلى العراق وسوريا وليبيا من مختلف أصقاع الأرض وخاصة من السعودية وتونس واليمن والسودان؟ وماذا سيكون مصير الدواعش "الأنصار" ؟
من المحتمل إذا حدث ذلك، وانتزعت الرقة والموصل وسرت من قبضة "داعش" أن يتحول "أنصار" الأمس أو قسم منهم على الأقل إلى "مهاجرين" يجدون ملاذات جديدة في بلاد الله الواسعة، وأن يتحول من يتبقى على قيد الحياة من "المهاجرين" إلى "أنصار"، ما يعني دخول المنطقة في دوامة جديدة من العنف قد تضرب بشدة دولا مستقرة نسبيا مثل الأردن والسعودية وتونس والجزائر، وتجعل منها عراق جديدا أو سوريا أخرى.
السعودية: نقاط القوة ونقاط الضعف
لدى السعودية إمكانيات أمنية وعسكرية واقتصادية هامة تتيح لها التصدي لأي تحديات وأخطار تهدد استقرارها الداخلي، وفي المقابل يتيح ترامي أراضيها وصحاريها الشاسعة فرصة ثمينة ليزاول "داعش" والتنظيمات المتطرفة المشابهة وبخاصة القاعدة نشاطاتهم بعيدا عن الأعين، والأمر الأكثر سلبية يتمثل في أن تورط هذا البلد في صراع عسكري طائفي طويل في اليمن قد يبعد الأنظار عن خطر داعش الداهم، ما يمنحه مجالا واسعا لتوطيد أقدامه بفضل الأعداد الكبيرة من السعوديين الذين يمكن أن يعودوا من مدارس العنف في العراق وسوريا وليبيا.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن الحرب الطائفية في الخليج لها تداعيات خطيرة جدا، إذ أنها يمكن أن تصبح النار التي تنضج خبز "داعش"، والحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عام، على أي حال، تصب في مصلحته بشكل مباشر.
الأردن: نقاط القوة والضعف
تتمتع عمان أيضا مثل الرياض باستقرار نسبي وبقدرات أمنية وعسكرية كبيرة قادرة على مواجهة أي خطر داخلي، إلا أن ذلك لا يعطي حصانة تامة للأردن من خطر "داعش" الوافد من سوريا ومن العراق ومن ليبيا، إذا حرم التنظيم من قواعده هناك.
وتختلف الأردن عن السعودية بأن أراضيها ليست شاسعة ما يعطي عمان قدرة أكبر على الحركة والسيطرة على أي بؤرة توتر، إلا أن ذلك محكوم بمدى وجود حواضن لـ"داعش" قادرة على إحداث اختتراقات أمنية وقلب موازين القوة مع الحكومة بالاستفادة من التجارب في العراق وسوريا.
تونس: نقاط القوة والضعف
تمكنت الدولة التونسية من تحقيق قدر لا بأس به من الاستقرار بعد تسونامي التغيير الذي تعرضت له عام 2011، وأدى إلى ظهور حركات متطرفة مسلحة لا تزال قادرة على شن هجمات خطيرة بين الحين والآخر، كما في استطاعتها الاتكاء على العمق الليبي، والاستفادة من الفوضى العارمة التي تضرب أطنابها هناك منذ أكثر من خمس سنوات، إلا أنها ستفقد الكثير من زخمها إذا نجحت الترتيبات الأمريكية والأوروبية الجارية لضرب معقل التنظيم في سرت حيث يتواجد مئات من مواطني تونس، وبالتالي سيظل دواعش تونس يبحثون عن ملجأ، ومن المحتمل أن يجدوه في أعماق الصحراء الليبية وفي الصحراء الجزائرية وفي فيافي مالي.
وتؤكد الأوضاع الراهنة أن المنطقة العربية بشكل ما تتقلب ولا تتغير، وخاصة في السنوات الأخيرة، وهي في هذه العملية، التي تجري بوتيرة متسارعة، تتآكل وتتقطع أوصالها تدريجيا، ما يجعلها فريسة سهلة في أي لحظة لتنظيم "داعش" الذي أصبح خبيرا في الاستفادة من الفوضى، ومن فشل السلطات المحلية في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي في عدد كبير من دول المنطقة.
محمد الطاهر