ولعل الخطاب الأخير للرئيس محمد ولد عبد العزيز سكب النار على الجرح القديم، وأعاد شجن تغيير الدستور إلى المعارضين المتخوفين من سعي الرجل للتمديد لنفسه ولاية ثالثة بعد انصرام العهدة الرئاسية الحالية التي يفترض أن تكون الأخيرة..
الرئيس عزيز وفي خطاب تصعيدي حماسي في مدينة النعمة بأقصى الشرق الموريتاني قبل أسبوعين، تحدث عن نيته تعديل الدستور بما يسمح بإلغاء مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس جهوية، ورفض الحديث صراحة أو تلميحا حتى، عن نواياه فيما يخص التعديل الأخطر الذي يخشى البعض من أن الرجل عازم عليه والمتعلق بمواد المؤمريات الرئاسية، وبقدرما لم يجار الرئيس وزراءه الذين تحدثوا صراحة عن الحاجة لتعديل دستوري يضمن استمرارية الرئيس الحالي في الحكم لولاية ثالثة، إلا أنه في نفس الوقت لم يقطع الشك باليقين وأضفى على المشهد غموضا وضبابية لا تزيد الحيران إلا حيرة..
تحدث الرئيس الموريتاني في الخطاب المذكور بحنق شديد تجاه المعارضة، واصفا إياها بأعداء الوطن، وجازما بأنها لن تصل إلى السلطة وهو أمر رأى فيه البعض دليلا صارخا على نية الرجل البقاء في السلطة بطريقة أو بأخرى، ورغم دعوته للحوار السياسي الجامع، إلا أن لغة خطابه وتصرفاته على الأرض لا توحي بسعي جاد لإشراك الجميع، وإنما تعكس السعي لتنظيم حوار بمن حضر، يضفي بعض المصداقية على مشهد يراد له أن يشكل وتعاد صياغاته وفقا لمقاسات الحكام الحاليين ودوائر النفوذ الممسكة بالأمور في نواكشوط..
شك المعارضة المزمن تجاه الرجل ونواياه وتجاربها السابقة معه تجعلها غير متحمسة للدخول في حوار جديد، وتصر على ورقة ضمانات مكتوبة، وللمفارقة أنها تطلب ورقة ضمانات مكتوبة من نظام تشكك في مدى احترامه للورقة القانونية الأعلى ألا وهي الدستور.!
الجدل الحالي المتصاعد بشأن ما بعد المأمورية الحالية، يبدو كما لو أنه سل للسيوف في معركة لم يحن أوانها بعد، وهو أمر قد يبدو مريحا للنظام، على الأقل، لشغل الناس في جدل سياسي عقيم، عن مشكلات الحياة اليومية والهم الاقتصادي الضاغط، كما أن المعارضة قد ترى فيه سببا للتوحد حول هدف واحد، وهي المعارضة المبتلاة بحالة تشظ وانقسام وتفرق أهواء لا مثيل لها، وهي حالة يخشى الكثيرون أن تشكل دعوة الرئيس الحالية للحوار سببا في تكريسها، فلقد بدأت التسريبات الإعلامية تترى عن رموز وأحزاب معارضة تفاوض النظام سرا، وتهرول للحاق بالحوار، بعضها رغبا فيما لدى السلطان والبعض الآخر رهبا من يده الطويلة التي تحترف المضايقات..
حديث الرئيس الأخير ودعوته للحوار، وجدل ما بعد تلك الدعوة كلها أمور تجعل الموريتانيين على موعد مع صيف سياسي ساخن، قد يلد حوارا وتوافقا يعيد للمشهد بعض الهدوء، وقد يشكل صاعقا يفجر الخلافات والصراعات ويلقي مزيدا من أعواد الثقاب في بلد تلفه الحرائق من كل مكان.
محمد سعدنا ولد الطالب