ويرجع قلق القادة العسكريين الأمريكيين الأكبر إلى قناعتهم بأن موسكو وبكين تقومان بتصميم الأسلحة، التي تهدف إلى تدمير مجموعة الأقمار الاصطناعية الأمريكية.
وقال رئيس القيادة الفضائية للقوات الجوية الأمريكية، الجنرال جون هايتين، في حديث لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، نشر في 9 مايو/أيار، عنها إنها "أثمن ملكية للولايات المتحدة في الفضاء"، علما بأن الأقمار الاصطناعية هذه تمكن العسكريين الأمريكيين من تحديد أماكن وجود قوات العدو والتقاط صورها، وتضمن الاتصال بين الوحدات، وتساعد في التحكم بالطائرات من دون طيار، فضلا عن توجيه الصواريخ والقذائف من خلال نظام "GPS" العالمي لتحديد المواقع.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن هذه "التكنولوجيات المتقدمة منحت القوات العسكرية الأمريكية تقدما هائلا أمام أعدائها".
وفي إشارة إلى الاحتمالية العالية لوقوع نزاع بين الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى، قال الجنرال هايتين: "كل عملية عسكرية تتوقف حاليا بشكل حاد على الوضع في الفضاء بشكل أو بآخر، وبغض النظر عما إذا كان مواطنونا يفهمون أبعاد هذا الأمر أم لا، فإن باقي العالم يتابع أعمالنا باهتمام كبير جدا، وبغض النظر عن جميع الجهود التي نبذلها، فيجب علينا الاعتراف بأن النزاع في المستقبل يمكن أن ينطلق في الفضاء أو يتمدد إليه".
وتعليقا على هذه التصريحات، أعلنت الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة توجه اتهاماتها لروسيا والصين في وقت تواصل فيه واشنطن تطوير نظامها للدفاع الصاروخي وتعرقل، بذرائع مبتكرة، المبادرات الروسية الصينية بشأن منع نشر الأسلحة في الفضاء.
وقال مدير قسم قضايا مراقبة وعدم نشر الأسلحة، ميخائيل أوليانوف، الأربعاء 11 مايو/أيار: "من اللافت أن الولايات المتحدة، التي تعرب عن قلقها من أعمال روسي والصين، تواصل القيام بتطوير أسلحتها المضادة للأقمار الاصطناعية عن طريق اختبار نظامها للدرع الصاروخية، علما أنه ليس سرا أن الولايات المتحدة تستخدم في منظوماتها التكنولوجيا التي تستعمل في منظوماتها المضادة للأقمار".
من جانب آخر، أعاد الدبلوماسي الروسي إلى الأذهان أن "روسيا والصين عرضتا، في العام 2008، على مؤتمر جنيف الخاص بنزع السلاح مشروعا مشتركا للاتفاقية الدولية حول منع نشر الأسلحة في الأجواء الفضائية واستخدام القوة بالإضافة إلى التهديد بذلك بحق الأجهزة الفضائية".
وأشار أوليانوف إلى أن هذه الوثيقة في حال إقرارها قد تحل قضية الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية بفضل فرض الحظر الشامل على نشر جميع أنواع الأسلحة في الأجواء الفضائية، مشددا على أن المقترحات الروسية الصينية تحظى بدعم كبير في الساحة الدولية، لكن تطبيقها العملي يواجه معارضة حازمة من قبل قادة الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يستخدمون مختلف الذرائع المبتكرة.
ولفت أوليانوف إلى أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول قلقهم من التهديد النابع عن روسيا والصين بالنسبة إلى أقمار الولايات المتحدة في الفضاء تهدف إلى الحصول على تمويل إضافي من قبل الحكومة الأمريكية لتطوير برامج البنتاغون الفضائية العسكرية.
من جانبها، أكدت بكين، على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية، ليو كان، الأربعاء، أن البلاد حافظت على التزامها بموقف مفاده أن الأجواء الفضائية لا ينبغي استخدامها إلا لأغراض سلمية. وجدد كان معارضة الصين لأي سباق أسلحة في الفضاء.
ودعا المسؤول الصيني باسم بلاده جميع الدول، وخاصة تلك التي تتوفر لديها قدرات عسكرية ومالية كبيرة، إلى الامتناع عن مثل هذه السباق.
وشدد ليو كان أيضا على أن الصين وروسيا، بدعم عدد من دول أخرى، تقدمت بمبادرة توقيع اتفاق حول منع عسكرة الفضاء، معربا عن أمله في أن عددا كبيرا من الدول ستنضم إلى هذه العملية.
وكما يبدو فأيا تكن الخطوات التي تتخذها روسيا والصين لإقناع واشنطن بأنه لا نية لديهما لإطلاق حرب ضد الولايات المتحدة، سيواصل الجناح العسكري الأمريكي الإصرار على وجود تهديدات كبيرة من قبل الدولتين للأمن الأمريكي، ليس في الفضاء فحسب وإنما في بحر والأرض والجو.
وجدير بالذكر، في هذا السياق، أن أصوات المسؤولين الأمريكيين، الذين يلفتون اهتمام واشنطن إلى أن القوات العسكرية للبلاد ضعيفة إلى حد خطير ومتواضعة من حيث الإعداد، ازدادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وأعلن قائد هيئة أركان الجيش الأمريكي، في كلمة ألقاها أمام أعضاء الكونغرس في 16 مارس/آذار، أن القوات المسلحة الأمريكية لم تتمكن خلال الـ 15 عاما الماضية من الاستعداد لصراع عسكري مع منافس قوي كروسيا أو الصين، فيما أعلن قائد العمليات البحرية الأمريكية، الأميرال جون ريتشاردسون، في اليوم نفسه، أن هناك مشاكل كبيرة تتعلق بحالة استعداد القوات البحرية، وذلك نظرا لغياب التمويل الكافي من جهة، والمتطلبات الكبيرة التي يفرضها الوضع الأمني الدولي على الأسطول الأمريكي.
ومن الأمور الصادمة أكثر من سواها درجة الشفافية التي يتحدث بها البنتاغون حول إجراء الاستعدادات لخوض حرب في الفضاء، لا سيما أن أغلب الأعمال، التي تقوم بها وزارة الدفاع الأمريكية هناك، لا تزال سرية للغاية.
جميع هذه التطورات، تدل بوضوح على أن الولايات المتحدة، وبغض النظر عن كل خطابها السلمي حول الديمقراطية والعالم الخالي من الأسلحة، تواصل سياسيات عصر الحرب الباردة، في مجال سباق الأسلحة، الأمر الذي يؤكده حجم الميزانية الأمريكية الذي يتجاوز 600 مليار دولار في العام 2016، في حين يقل هذا الرقم في روسيا عن 50 مليار دولار وفي الصين يقارب 150 مليار دولار.