ويبدو أن هذا البلد الذي غرق في الفوضى بشكل حاد يتجه الآن نحو فصل جديد من الصراع، بعد أن تقدمت قوات من يوصف في الشرق بأنه القائد العام للقوات المسلحة الليبية، وفي الغرب بأنه انقلابي يسعى للسيطرة على البلاد، نحو الغرب باتجاه سرت، معقل تنظيم "داعش" الرئيس في ليبيا.
الجنرال حفتر الذي وصفته صحيفة "repubblica" الإيطالية مؤخرا بأنه "رئيس ميليشيا مدعومة من الجيش المصري" قرر نهاية الشهر الماضي الاندفاع غربا نحو سرت، وأرسل أرتالا من قواته إلى المنطقة، إلا أن هذا التحرك أثار حفيظة "مصراتة" المدينة الواقعة إلى الغرب من سرت، وصاحبة أهم قوة عسكرية ونفوذ سياسي غرب البلاد.
هذا التناقض بين هاتين القوتين تجلى سريعا في مناوشات وقعت بين طلائع تشكيلات حفتر وقوات تابعة لمصراتة في منطقة زلة على مسافة نحو 300 كيلو متر جنوب سرت.
بالمقابل، نقل تنظيم "داعش" تكتيكات التنظيم الأم في العراق وأرسل أرتالا من قواته غربا، وتمكن في يوم واحد من السيطرة على عدة مناطق واقعة إلى الشرق والجنوب من مدينة مصراتة، في هجوم سريع عقب تنفيذ عناصره عمليتين انتحاريتين بسيارتين مفخختين.
ورأت صحيفة "repubblica" في اندفاع قوات حفتر نحو الغرب "محاولة لإضعاف المليشيات الداعمة لحكومة طرابلس التي تعترف بها الأمم المتحدة"، لافتة إلى أن فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني التي لم يمنحها مجلس النواب الثقة بعد، قد طلب من الجنرال وقف أية عملية عسكرية في المنطقة قبل التنسيق مع مليشيات مصراتة.
وأشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن قوات حفتر إذا اتجهت نحو سرت، فسيكون عليها الاصطدام بقوات ما يعرف بحرس المنشآت النفطية التي يقودها إبراهيم الجظران التي وصفتها بأنها "مليشيا قوية متحالفة مع طرابلس"، إلا أن وصول رتل بقيادة أحد ضباط حفتر الكبار، ونيس بوخماذة مؤخرا إلى "راس لانوف" واجتماعه مع الجظران يدل على توافق ما بين الجانبين بغطاء قبلي.
لا يُعرف حتى الآن من سيقاتل من حول سرت، خاصة بعد أن أعلنت مدينة مصراتة النفير وحشدت تشكيلاتها المسلحة، فيما شكّل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني "غرفة عمليات خاصة لقيادة العمليات العسكرية في المنطقة الواقعة بين سرت ومصراتة"، وحظر على أية قوة عسكرية أو شبه عسكرية غير منضوية تحت "الشرعية" القيام بأية عمليات عسكرية داخل هذه المنطقة.
يبدو أن الفريق أول خليفة حفتر قرر المسارعة بإرسال قواته نحو الغرب، وتحديدا باتجاه سرت حتى قبل الانتهاء من آخر معاقل خصومه في الصابري وسوق الحوت ببنغازي، لأسباب عدة منها: الاستفادة من زخم الانتصارات الأخيرة الهامة التي حققها في المدينة، وترسيخ مكانته العسكرية والسياسية داخليا وخارجيا في معركة هامة ضد تنظيم داعش في سرت.
حفتر كان مهد للمعركة المرتقبة بالإعلان عن أن الهدف منها "تحرير سرت"، وأن قواته لن تستهدف مدينة مصراتة أو صبراتة أو أية مناطق أخرى، فماذا سيحدث في سرت إذا وصلت قوات الجنرال إليها؟
يبدو أن حفتر تمكن من استمالة أعداد لا بأس بها من أنصار القذافي، بخاصة أن شخصيات من مسؤولي النظام السابق عادوا إلى شرق البلاد، واستقبلوا بحفاوة من مناطقهم وقبائلهم.
حدث ذلك فيما تشهد البلاد حالة من "الحنين" المتزايد إلى النظام القديم بعد أن فقد السكان أمنهم، وبات توفير أبسط متطلبات الحياة مهمة شاقة وعسيرة، ليس فقط في مدينة بنغازي التي شهدت معارك ضارية لأكثر من سنتين، بل وفي العاصمة طرابلس ذاتها، بالإضافة إلى الانقسام الحاد بين أجزاء البلاد، وانعدام السيادة الوطنية، وتعدد مراكز القوى وتغلغل "داعش" في معظم أرجاء البلاد.
ويجد حفتر في هذه الموجة من الحنين إلى الأمن والاستقرار فرصة مناسبة لاستكمال مشواره بفتح جبهة جديدة يعتقد البعض أنها قادرة على توحيد الفرقاء على أبواب سرت، لكن آخرين يرون أن التناقضات بين مراكز القوى في شرق البلاد وغربها أكثر عمقا، وأن أبرز القوى في غرب البلاد لا تقيم أي وزن لخطر "داعش"، وقد تركته يستشري على مقربة من مناطقها من دون أن تحرك ساكنا، فيما ترى في حفتر الخطر الأكبر على مصالحها بل وعلى وجودها ذاته.
محمد الطاهر