واستخدام رئيس الحكومة الإسرائيلية، وكذلك وسائل الإعلام، للمصطلح المذكور في مقابل مصطلح "الإرهاب العربي" أمر يدفع للتفكّر في أسباب هذا الكرم الإسرائيلي في نسبة الإرهاب إلى يهود، فمن عادة السلطات المحتلة في كل مكان، إنكار أفعال أفرادها ومنظماتها الإرهابية بكل الطرق الديماغوجية الممكنة، وتوفير الأعذار السياسية والقانونية لهم.
والسؤال الثاني الذي يخطر في البال (وربما الأكثر أهمية) هو هل تصحّ نسبة الإرهاب إلى دين بكامله أو إلى أتباعه؟. لقد صار مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، شائعا إلى درجة أن المسلمين أنفسهم يتداولونه في أقوالهم ووسائل إعلامهم وتصريحات بعض مسؤوليهم، براحة ضمير ومن دون إحساس بالمهانة أو التناقض رغم أن دولاً كثيرة ومؤسسات دولية ترفض الانسياق إلى هذا الربط المباشر بين دين يقدّر عدد أتباعه بمليار و700 مليون نسمة وبين الإرهاب لما يمكن أن يترتّب على ذلك من وسمهم ما يعادل ربع سكان الأرض بالإرهاب.
ورخاوة بعض المسلمين، أفراداً كانوا أو منظمات ودولا، في استخدام مصطلح يهينهم ويجرّمهم ويسيء إليهم لا تتعلّق ببلاهة غير متقصّدة أو بتلبّس الضحيّة لمصطلحات عدوّها فحسب بل تتعلّق أيضاً بسياسات مقصودة تخدم أهدافاً بعينها، وأشهرها بالطبع، هو استخدام أنظمة عربيّة عديدة لذلك الخلط المقصود بين الإسلام والإرهاب ضد التيارات الإسلامية بكافة أشكالها، وهو استخدام "انتحاريّ" لأنه لا يهمّ أن ينقضّ المبنى على رأسه ما دام قادراً على الإجهاز على خصومه، وهي عقلية نخب متنفّذة تفترض أنها أقرب، في طرق عيشها وتفكيرها، إلى الغرب منها إلى مواطنيها، أو تتصنّع ذلك تقرّباً لأركان القوّة والنفوذ والسلطان في «الغرب»، فيما يلجأ مواطنها الذي لم يعد له منفذ يقيه من أصناف الطاغوت والفساد والتجبّر إلى التمسك بالدين كآلية دفاعيّة، وكأيديولوجيا تؤمن أجوبة بسيطة على أسئلة معقّدة، وكاتجاه سياسيّ يوظّف مشاعر الماضي المقدّس في معركة الحاضر المستقبل غير المقدسة.
لجوء إسرائيل إلى مصطلح الإرهاب اليهودي بالمقارنة يهدف ربما إلى توزيع جرم إرهاب الدولة على اليهود ليغطّي على ما هو فعليّاً إرهاب الدولة نفسها، وليرفع عنها مسؤولية ما تمارسه، فاستخدامه يجري لتخفيف وطأته بجعله مختلفاً، كما قال نتنياهو، عن "الإرهاب العربيّ"، لأن العرب "يهلّلون لإرهابهم" و"اليهود يشجبون" ، و"لأن نسبة الإرهاب اليهودي ضئيلة مقارنة بالإرهاب العربي"، وبهذه الخدعة يتحوّل الإرهاب اليهودي إلى ما يشبه حبة المضادّ الحيويّ التي تستخدم جرعة صغيرة من المرض لتقوّي جهاز مناعة إسرائيل من "مرض الإرهاب" رغم أن بعض المؤرخين يرون أن الإرهاب الديني، هو جزء من التاريخ اليهودي مستشهدين بأمثلة لا تحصى عليه منها قصة شمشون "الانتحاريّ الأول"، وكانت جماعات التطرف الديني اليهودي خلال الحقبة الرومانيّة تستخدم السكاكين والخناجر لاغتيال الرومان أو أنصار روما، وقد ورثت منظمات صهيونية كثيرة العقليات والممارسات الإرهابية القديمة ومنها "بريت هاكانايم" و"غوش إيمونيم" و"ليهافا"، بل إن واحدة منها تحمل اسم "إرهاب مقابل إرهاب" .
يثير التساؤل هنا أنه لم يحصل في التاريخ الحديث أي استخدام لمصطلح "إرهاب مسيحي" ولم يستدع استخدام تنظيمات مثل "الجيش الجمهوري الإيرلندي" (وأتباعه من المسيحيين الكاثوليك) أو منظمة "إيتا" الباسكيّة في إسبانيا، للإرهاب، من المؤسسات السياسية والإعلامية الكبرى (وهي تحت سيطرة الغرب) نسبته إلى الكاثوليك أو المسيحيين، بل يتمّ توصيفهما كمنظمتين عسكريتين تستخدمان الإرهاب كأداة سياسية، كما أن حركات عنصرية كبرى مثل النازيّة (التي كان شعارها مستمدّا من المسيحية: الصليب المعقوف) أو الفاشية، لم يتمّ ربطهما بالمسيحية بالطريقة التي يستسهل فيها ربط " الدولة الإسلامية" و"القاعدة" بالإسلام وتعميم ذلك ليكون وقودا لإرهاب عنصري مقلوب يتحمّل فيه ضحايا تلك التنظيمات، وأغلبهم مسلمون، الجزء الأكبر من الجرم والاتهام والعداء، في طاحونة مصطلحات متعسفة يساهم فيها الغرب وإسرائيل، هرباً من مسؤوليتهما عما يحصل، وكذلك العرب والمسلمون أنفسهم، لأسباب ذكرنا بعضها آنفا.
المصدر: صحيفة " القدس العربي "