مع بدء الصراع في اليمن منذ دخول الحوثيين إلى صنعاء، كانت عناصر القاعدة تنشطفي محافظتي البيضاء وشبوة وبعض مناطق محافظة أبين، التي طردوا منها في عام 2011.وكانت هناك قوات نظامية تتولى مواجهةالإرهاب.لكنْ، ومع اتساع قاعدة المعارك، وامتدادها إلى معظم المحافظات اليمنية، ودخول التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم حكومةالرئيس عبد ربه منصور هاديوانهيار قوات الجيش والأمن، وجد التنظيم وكل الجماعاتالإرهابية البيئة الملائمة للتوسع والانتشار.
فبعد شهر على بداية عمليات التحالف، دخلت عناصر "القاعدة"بسهولة إلى مدينة المكلاعاصمة محافظة حضرموت بعد انسحاب قوات الجيش من معسكراتها، فاتحة الباب أمامهذا التنظيم الإرهابي لاغتنام كميات كبيرة جدا من الأسلحة المتطورة، وللاستيلاء على البنك المركزيوبقية البنوك في المحافظة، وكذلك على فرع شركة النفط وموانئ المحافظة.
ولأن قوات الجيش اختفت من معظم مناطق الجنوب، فقد سيطرت عناصر "القاعدة" علىالشريط الساحلي، وأدارت عملية تهريب النفط وبيعه؛ ما مكنها من الحصول على ملايينالدولارات إلى جانب ما تجنيه من رسوم على البضائع الواردة إلى الموانئوالزكاة وغيرها. كما قدم التنظيم نفسه كسلطة فعلية تدير المحافظة وشؤون الناساليومية بشكل كامل بما فيها الجوانب الخدمية كالمستشفيات وصيانة الشوارع.
وقد ساعدت الشعارات المذهبية التي رفعتها أطراف القتال عناصر الإرهاب على التوغل في المجتمعات الريفية والنائية، وقدمت نفسها طرفا رئيسا في الدفاع عن مذهب أو جماعة في مواجهة مذهب آخر. كما أوجدت البيئة الحاضنة لهذه العناصر التي أجادت توظيف صراعات قديمة في المعركة الحالية، وتمكنت بالفعل من الدخول إلى كثير من المناطق بغير قتال، بل وبتسهيلات من الجماعات المحلية التي تناصب الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح العداء.
ومع توسع العمليات القتالية إلى شبوة وأبين وعدن ولحج، استطاعت عناصر التنظيم الوصول إلى هذه المناطق والحصول على أسلحة تحت ستار مذهبي لقتال الحوثيين. وما إن هُزم المسلحون الحوثيون في تلك المحافظات، حتى ظهرت القوة الحقيقية لتنظيم "القاعدة" سواء في لحج أو عدن، أو في قدرته على السيطرة على محافظة أبين وأجزاء واسعة من محافظتي شبوة.
وقد أجبرت هذه القوة التي ظهر بها التنظيم قوات التحالف على إعادة النظر في سياستها. وقيل إنها ألغت فكرة التقدم نحو محافظة تعز لتحريرها لكي لا يتكرر ما حدث في عدن، بل وذُكر أنها رفضت أمداد المناوئين لجماعة "أنصار الله" بالأسلحة خشية وصولها إلى الجماعات المتطرفة؛ إذ إن سيطرة العناصر الإرهابية على أكثر من مديرية في عدن وسلسة الاغتيالات شبه اليومية، التي طالت ضباطا وقيادات سياسية وقضاة وغيرهم، غيرت حسابات التحالف بشكل كلي.
ولأن الأمر كذلك، فقد بدأت قوات التحالف منذ عدة أسابيع بقصف معسكرات يسيطر عليها التنظيم في حضرموت، وساندت قوات الجيش في عملياتها ضد عناصره في محافظتي عدن ولحج. كما واكبت ذلك محادثات سرية بين السعودية والحوثيين أفضت إلى تهدئة على طول الشريط الحدودي وتفاهمات، قد تكون أساسا للحل السياسي المنتظر للأزمة اليمنية.
واليوم، وقد أدركت دول التحالف ومعها الولايات المتحدة المكاسبالكبيرة التي حققتها العناصر الإرهابية، فإنها تدفع نحو اتفاق مع الحوثيينوالرئيس السابق لوقف القتال وإنهاء الحرب، حتى يتفرغ الجميع لمواجهة القوة المتناميةلهذه العناصر التي يتعدى خطرها شواطئ بحر العرب ليصل إلى مضيق باب المندب ودولالخليج المجاورة
وإذا قُدر للمحادثات المرتقبة بين الأطراف اليمنية في الكويت إبرام اتفاق سلام شامل، فإن حربا جديدة مع الإرهاب ستندلع في هذا البلد، الذي يعاني حاليا آثارا كارثية للقتال الدائر اليوم، والذي تسبب في مقتل أكثر من ستة آلاف - نصفهم من المدنيين، وتشريد أكثر من مليونين ونصف، وجعل أكثر من ثمانين في المئة من السكان يواجهون خطر المجاعة .
محمد الأحمد