تفاعل العديد من النشطاء في الإنترنت مع تصريح للرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال فيه أثناء لقائه بستين مواطنا إسرائيليا ولدوا في بلدان عربية، إنه يستمع إلى مطربين إسرائيليين كل يوم، إذ تعرض لانتقادات شديدة من عرب وفلسطينيين أبدوا استياءهم إزاء تصريحات كهذه. وقد خص أبو مازن بالذكر من بين المطربين الإسرائيليين، الفنان الحلبي موشيه إلياهو واصفاً إياه بالمطرب العظيم.
يبدو أن تصريح عباس فتح الباب على أكثر من مسألة على غرار.. هل للفن قومية؟ وما الفرق بين الإعجاب بفنان إسرائيلي كان على علاقة طيبة بفلسطينيي إسرائيل والإعجاب بفنان أمريكي كاد أن يتطوع للحرب ضد العرب في حرب 1948 وهو بيتر فولك الشهير بأدائه شخصية المحقق كولومبو؟ وإذا كان هناك فرق فلصالح من يكون في هذه الحالة ؟
أليس من الأجدر، حتى بأولئك المتحمسين لعدالة القضية الفلسطينية، التعرف على إبداعات فنانين إسرائيليين يساريين، مثل عازف العود البغدادي يائير دلال والمخرجين عيران ريكليس وعاموس غيتاي؟
وفي ظل هذه التساؤلات.. ماذا عن موقف المواطن العربي من أم كلثوم التي أعربت عن "عدم حبها" للفلسطينيين، لأن هؤلاء "باعوا بلادهم لليهود"، وهو ما كشفت عنه الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان حينما تحدثت عن حوار خاص دار بين أم كلثوم وسيدة من آل نسيبة المقدسية؟
وعلى ذكر كوكب الشرق، وهو اللقب الذي حازت عليه أم كلثوم بعد إحيائها إحدى حفلاتها في حيفا، من المعروف أن الإسرائيليين لا يجدون غضاضة بالاستماع والاستمتاع بأغاني سيدة الغناء العربي، وكذلك بأغاني وألحان الموسيقار الكبير، الأمير السوري فريد الأطرش، دون الخلط بين حالة الحرب، كما تبدو، بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة ثانية. وربما أفضل من أعطى مثالاً لذلك هو وزير خارجية إسرائيل الأسبق ديفيد ليفي الذي دعا إلى حرق لبنان وأطفاله من على منبر الكنيست، وراقص ابنته في حفل زفافها على أغنية "جميل جمال".
في ضوء ما تقدم.. لا يجب أن يبدو غريباً تعبير محمود عباس عن إعجابه بمطربين إسرائيليين شرقيين مثل موشيه إلياهو، خاصة وأن الأخير من مدينة لطالما كان لها حضور في فلسطين بشكل أو بآخر وفي أكثر من حقبة تاريخية.
وربما أشهر الشخصيات الحلبية التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ النضال الفلسطيني هو المطران هيلاريون كبوجي، الذي ساهم بإعطاء الصراع العربي الإسرائيلي بعداً مسيحياً بامتياز. كما ارتبط اسم سليمان الحلبي بأسماء أربعة غزيين كانوا يتلقون تعليمهم في الأزهر، وأعدم ثلاثة منهم على خلفية اغتيال الجنرال كليبر في يونيو 1800، قائد الحملة الفرنسية في مصر.
كما كانت حلب حاضرة في واحدة من أهم الأعمال المسرحية الفلسطينية وهي "المتشائل" للأديب إميل حبيبي، حيث أن جدة بطل المسرحية سعيد أبو النحس هي قبرصية من حلب، بالإضافة إلى أن الممثل العربي – الإسرائيلي مكرم خوري جسد شخصية يهودي من حلب في مسلسل "ميشيل عزرا سفرا وأبناؤه"، حتى أن خوري عاش فترة عند عائلة حلبية في إسرائيل كي يتقن "اللهجة الحلبية في اللغة العبرية".
وربما العلاقة الأبرز لحلب في فلسطين تمثلت في العلاقة مع صفد، التي انتقل منها العديد من العائلات إلى حلب بحكم الاهتمام الكبير بالـ "قابالاه" التي أسسها الحاخام اسحق لوريا في المدينة الجليلية. وقد تعزز هذا الترابط بين المدينتين بعائلات تبدو مشتركة، مثل عائلة أحد أشهر المعماريين الكنديين موشيه سافدي (صفدي)، الذي وُلد في حيفا لأسرة هاجرت من حلب إلى إسرائيل ظلت محتفظة باسم العائلة الذي يشير إلى جذورها، وفقاً لمواقع إسرائيلية. أما المغنية الإسرائيلية إستير أوفرايم - زايد التي مثلت سويسرا في يوروفيجن 1963 وحصلت على المركز الثاني فقد وُلدت في صفد، مسقط رأس الرئيس الفلسطيني، علماً أن جذور زايد تعود إلى حلب.
وبعيداً عن كل ما سبق.. يتجلى الحضور الحلبي في فلسطين دائماً، في كل يوم وفي كل ساعة، إذ لا يمر يوم في فلسطين إلا وتُصنع فيه الكنافة النابلسية، التي باتت أكثر من مجرد طبق حلوى شرقي، لما تحمله من دلالات تشير إلى المكان والهوية.. وحتى هنا فإن حلب حاضرة وبقوة.. فهل تكون الكنافة نابلسية بلا فستق حلبي؟
علاء عمر لموقع RT