وحذر دي ميزير: "من سيرفض تعلم اللغة الألمانية والسماح لأقاربه بالاندماج، كالنساء والفتيات على سبيل المثال، ومن سيرفض عروض العمل.. فلن يحصل على تصريح إقامة مفتوح بعد السنوات الثلاث!".
وجاءت هذه الخطوة بعد الضغوط والانتقادات الكبيرة، التي تعرضت لها الحكومة الائتلافية والمستشارة أنغيلا ميركل بشأن ملف اللاجئين، وصعود نجم حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) المعارض لسياسة الباب المفتوح للاجئين، التي استقبلت ألمانيا بموجبها قرابة مليون مهاجر غير شرعي العام الماضي، إضافة إلى نحو مئة ألف آخرين وصلوا منذ بداية العام الحالي، بحسب دي ميزير.
من جهته، انتقد رئيس الجالية التركية في ألمانيا غوكاي صوفو أوغلو مشروع الوزير دي ميزير إزاء تطبيق سياسة فرض الاندماج على اللاجئين، وصرح لصحيفة "برلينر تسايتونغ" الألمانية بأن هذه الأساليب لم تُجد نفعا مع المهاجرين خلال الأعوام الخمسين الماضية، وقال: "يجب على ألمانيا أن تدرك أن الاندماج لن يتحقق إلا على أساس التحفيز".
ودعا صوفو أوغلو إلى عرض دورات تعلم اللغة والاندماج على الأفراد، وإظهار أنهم جزء من المجتمع".
كما انتقد "الاتحاد الألماني النقابي للتجارة" (DGB)، وهو أكبر منظمة نقابية في البلاد، المشروع الحكومي المقترح. وقالت أنيلي بونتينباخ، عضو مجلس إدارة الاتحاد: "الاندماج الناجح لا يمكن أن يتحقق عبر تغيير القوانين، وإضافة العقوبات، وشروط ثابتة للإقامة". وعوضا عن ذلك، دعت بونتينباخ إلى افتتاح دورات لغة ألمانية، وإطلاق برامج اندماج شامل، على أن تتولى البلديات هذه المهمة.
وفي هذا الصدد، ترى لينا كنامة المرشدة الاجتماعية في مركز "لقاء واستشارة النساء العربيات" في برلين، والمقيمة في ألمانيا منذ 26 عاما، أن تصريحات مسؤولي الحكومة الألمانية المتعلقة باللاجئين هي مجرد دعايات انتخابية لتهدئة الغضب الشعبي، الذي لم يستوعب وصول هذا العدد الكبير من اللاجئين بشكل مفاجئ بعد.
وأضافت كنامة أن وسائل الإعلام الألمانية الرئيسة لعبت دورا سلبيا سواء بصورة الطفل الغريق في شواطئ تركيا، أو بعد أحداث التحرش الجنسي في مدينة كولونيا. وقالت كنامة إن الفخ الذي نصبه أردوغان بترويجه لصورة الطفل الغريق إيلان وقع فيه الألمان بسذاجة، وإن التفاعل معه كان ارتجاليا ومتسرعا تحت شعار "الإنسانية"، فكان أن دفعت الأحزاب المؤيدة للاجئين ثمنا باهظا في الانتخابات الإقليمية الأخيرة على حساب حزب "البديل" المعارض.
وأشارت إلى أنه، وعندما بدأ الجميع يستغل اسم "السوري"، ويأتي إلى ألمانيا لتقديم اللجوء، خرجت الأمور عن المألوف، وسادت فوضى عارمة في مخيمات اللجوء. وباتت الحكومة الألمانية عاجزة عن تنظيم إجراءات اللجوء، وسقطت في فخ البيروقراطية الصارمة. لذا بدأت الأحزاب السياسية باستغلال هذا الموضوع كورقة انتخابية، وبقي "الإنسان" اللاجئ مجرد رقم في اللعبة السياسية.
ختاماً، تقول مسؤولة شؤون اللاجئين في مقاطعة "لاهن ديل كريس"، السيدة نتالي بيكندي إن تعلّم اللغة الألمانية والعثور على وظيفة غير كافيين لدمج اللاجئين القادمين من مجتمعات لها خلفيات وعادات وتقاليد مختلفة تماماً عن المجتمع الألماني، تصل أحياناً إلى حد التناقض الحاد.
وتقترح بيكندي أن تباشر الحكومة الألمانية بإطلاق برامج اندماج شامل يتضمن تعليم اللغة والتعريف بالقيم الألمانية والغربية وضرورة احترامها. لكنها غير متفائلة تماماً بشأن فعالية هذه البرامج مع شعوب مشبعة بشكل عام بالقيم الطائفية والعشائرية والمناطقية.
لذا، فإن التحدي الحقيقي التي ستواجهه الحكومة الألمانية لن يكون مقتصراً على مجال اللغة فقط، بل سيشمل النواحي المجتمعية والثقافية كافة.
جدير بالذكر أن سياسة ألمانيا تجاه اللاجئين ليست وليدة اليوم. فمنذ الحرب الأهلية في لبنان وحرب الخليج الأولى والثانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان وحروب الصومال وإريتريا وأثيوبيا والسودان، عرفت ألمانيا موجات من اللجوء، وكانت تتفاعل مع اللاجئين بما يتناسب وسياستها. بيد أن موضوع اللجوء السوري، برأي المرشدة الاجتماعية، كان قراراً سياسياً بامتياز. وكان لجوءاً "مميزاً" لحرب "مميزة"؛ إذ لم يجر التعامل مع اللاجئين بهذا الكرم، من حيث توفير الإقامات والمعاشات الشهرية، في تاريخ سياسة اللجوء في ألمانيا.
كيفورك ألماسيان