العمليات الإرهابية فرضت واقعاً صار لزاما فيه، على دول المغرب العربي عامة، والجزائر خاصة، قراءة رسائل بنقردان، لتمييز دلالاتها عن الهجمات السابقة، وبخاصة من حيث خطورة العملية وتوقيتها وملابساتها.
فمن حيث التوقيت، يأتي هجوم بنقردان بعد توصل الفرقاء الليبيين إلى اتفاق، وصف بالهش، من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني، قد تكون مهمتها الأساسية توقيع طلب من أجل تدخل غربي جديد في البلاد؛ الأمر، الذي رفضته تونس، وترفضه الجزائر بشدة وتحذر منه.
ولذا، فقد يكون هجوم بنقردان محاولة لإضعاف الموقف التونسي الرسمي والشعبي، لإجبار تونس على المشاركة في أي تحالف دولي يقوم بعمل عسكري في ليبيا؛ وهو، ما لا تقبله الجزائر، على اعتبار أن التدخل العسكري من شأنه أخذ ليبيا إلى بحر جديد من الدماء والمآسي الإنسانية، وإلى هروب الألوف من أبنائها إلى البلدان المجاورة. كما أن العمل العسكري، بحسب التجارب السابقة، لن يقضي على الإرهاب، بقدر ما سيجعل المنطقة مغناطيسا يجذب إليه الجهاديين.
لهذا، فقد تكون المنطقة مقبلة على مزيد من التصعيد الإرهابي، الذي سيضرب استقرار دول المنطقة، وربما مصالح الدول الكبرى، من أجل الضغط أكثر، بزرع الفوضى لجعل خيار التدخل الأجنبي في ليبيا، وبعد ذلك في المنطقة ككل، حلا مرا لا بد من تجرعه والقبول به.
والجزائر مدركة تماما للعبة الإرهاب، الذي اكتوت بناره عقدا كاملا من السنين؛ فكان رأيها في "داعش" منذ ظهوره، أنه مجرد جسم إرهابي يحقق مصالح جهات مجهولة، فلم يلتحق الشباب الجزائري بهذا التنظيم إلا بأعداد قليلة. كما أن الأجهزة الأمنية الجزائرية أجهضت كل محاولات الاختراق، التي سعى من خلالها التنظيم الإرهابي، ليكون له موطئ قدم في الجزائر.
وبحسب متابعين، فإنه سيكون من السهل على التنظيم أن يتسرب إلى الجزائر في حال حصول التدخل الأجنبي في ليبيا، وفقدان السيطرة على الجماعات الإرهابية. وبالتالي، فقد تكون حدود الجزائر مع ليبيا وتونس مفتوحة أمام "داعش"، ولا سيما أن حدود الجزائر شاسعة يصعب السيطرة عليها. ولعل ذلك هو ما جعل الجيش الجزائري يبدأ خطة أمنية استباقية على حدود البلاد من أجل تأمينها، ومنع أي تسلل للمتطرفين وعناصر "داعش". وقد شملت الخطة الأمنية نشر ما يزيد عن 50 ألف جندي على الحدود الجزائرية الشرقية؛ إضافة إلى تنظيم طلعات جوية استطلاعية لبحث مختلف الخطط للرد على أي تهديدات أمنية وإرهابية محتملة.
وليس من الغريب أن يتزايد تخوف الجزائر، مع تزايد التكهنات والتوقعات بهجوم عسكري ضد التنظيم الإرهابي، وخاصة بعد هجوم بنقردان، وذلك بسبب تداعيات الخطوة على أمن واستقرار البلاد، بحسب المسؤولين.
بيد أن ما يثير قلق الجزائر أكثر هو تأثيرات الهجوم المحتمل الاقتصادية والاجتماعية في ظل انخفاض أسعار النفط؛ حيث إن الجزائر اعتمدت على الريع النفطي في تجنبها لرياح ما يسمى "الربيع العربي"، وإن فقدانها لأموال النفط، بعد تهاوي أسعاره، أدخلها في أزمة اقتصادية؛ وبالتالي، لم تعد قادرة على تحمل أي صدمة أخرى، قد تحرك الشارع، الذي هدأ بحلول ترقيعية، أو بالأحرى بشراء السلم الاجتماعي.
فالشارع الجزائري، حتى وإن كان بغالبيته يؤيد الحكومة في سياستها الخارجية تجاه أزمات المنطقة، فإن استمرار الضغط الاجتماعي والاقتصادي قد يغير مفهوم المواطن للسلم الاجتماعي، وبذلك ستصبح الجزائر محاصرة من الداخل والخارج.
هذه المعطيات والتخوفات يمكن أن تضع الجزائر أمام مواجهة عدة أخطار: خطر الإرهاب المتعدد الجنسيات والعابر للحدود، وخطر الهشاشة الاقتصادية، نتيجة تراجع أسعار النفط، وفي المقابل، ضعف مؤسسات الدولة ومسؤوليها.
وهذه المخاطر من شأنها إدخال البلاد في فوضى اقتصادية وأمنية، وربما كان ذلك ما تسعى له جهات دولية - أن تجعل مثلث تونس والجزائر وليبيا المغاربي بؤرة جديدة للنزاع والفوضى، التي مزقت المشرق العربي، ووضعته على سكة التفتيت.
سامي لسمر