لكنه عاد، وحث أنصاره في تظاهرة الجمعة 4 مارس/آذار على التظاهر بسلمية، وقال إن "اقتحامها (المنطقة الخضراء) ستحدده تطورات الأسابيع المقبلة في حال عدم تنفيذ الإصلاحات الموعودة".
وطالب زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر باستقالة جميع أعضاء الحكومة العراقية، ودعا السفارات الأجنبية إلى الخروج من المنطقة الخضراء، وتزامن ذلك مع تظاهرات للألوف من أتباعه قرب المنطقة المحصنة أمنيا في العاصمة بغداد.
وقال الصدر في خطاب متلفز إنه "لا يستقيم (الأمر بأن) يزيح العراقيون فاسدا ليأتوا بفاسد آخر"، وأضاف أن "على الجميع أن يذعن لصوت الشعب العراقي، وخاصة ساسة المنطقة الخضراء".
وكانت التظاهرات المنددة بالفساد، والمطالبة بالإصلاح السياسي، قد دفعت رئيس الحكومة حيدر العبادي، في شهر أغسطس/ آب الماضي، إلى إقرار حزمة من الإصلاحات، لكن منتقديه، وعلى رأسهم ممثلو "التيار الصدري" و"التيار المدني"، قالوا إنه لم ينفذ منها شيئا يذكر.
وقد تزامنت تظاهرة "التيار الصدري" مع دعوة "التيار المدني" إلى التظاهر ضد الفساد أيضا، وفرضت قوات الأمن العراقية تدابير مشددة حول المنطقة الخضراء وفي وسط بغداد قبيل المظاهرات، التي دعا إليها التيار الصدري، ووصفت الإجراءات الأمنية بأنها الأشد في بغداد منذ بدء المظاهرات المنددة بالفساد والمطالبة بالإصلاح في يوليو/تموز الماضي.
جدير بالذكر أن الصدر دعا أتباعه إلى التظاهر قرب المنطقة الخضراء، وقال إنه سيشارك في المظاهرة رغم "التهديد بالقتل"، الذي تلقاه، وفق تعبيره.
في هذه الأثناء انتشرت مليشيا "سرايا السلام" التابعة للزعيم الصدري في مناطق متفرقة من العاصمة بينها: بوابات المنطقة الخضراء ومحيطها، ومدينة الصدر في شرق العاصمة، في حين قالت قيادة عمليات بغداد إن "الاتصالات مع مسؤولين تابعين للتيار الصدري أسفرت عن انسحاب المسلحين".
على صعيد آخر، أعلنت قيادة عمليات بغداد عدم وجود أي موافقة رسمية للتظاهر قرب التقاطع المقابل لبوابة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، محملة "بعض المسؤولين التابعين للتيار الصدري" المسؤولية عن أي خرق أمني أو أضرار في الممتلكات العامة والخاصة.
وقالت القيادة في بيان لها إن "تجمعا، لعدد من أعضاء مجلس النواب وبعض المسؤولين، التابعين للتيار الصدري، تم قرب مركز شرطة الصالحية في التقاطع المقابل لبوابة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مصطحبين معهم مرافقيهم المسلحين وعددا من العجلات، بغية استطلاع مكان التظاهرة ونصب منصات خطابة".
وأوضحت القيادة أن هؤلاء النواب والمسؤولين "صعدوا الموقف، وجلبوا أعداداً أخرى من المسلحين من مناطق متعددة في بغداد، بعد استيضاح الأمر، وإبلاغهم عدم وجود موافقة على التظاهر في هذه المنطقة". وأضافت أن "ذلك الأمر دعا الأجهزة الأمنية وقيادة عمليات بغداد إلى اتخاذ إجراءات وقائية، وقطع الطرق وغلق جسري السنك والجمهورية، من أجل فرض الأمن وهيبة الدولة ومنع التجاوز على القانون".
وكان الصدر قد وضع العبادي على المحك، حين قال وسط هتافات أنصاره في الجمعة قبل الماضية "إن رئيس الحكومة ملزم بالإصلاح الجذري لا الترقيعي، وإذا كنا اليوم على أسوار المنطقة الخضراء فإننا غدا سنكون فيها".
وقد حمل المتظاهرون أعلام العراق من دون رفع أي لافتات أو شعارات أو صور لأي شخصية سياسية أو دينية، ورددوا "بالروح بالدم نفديك يا عراق". وأعلن الصدر أيضا تبرؤه من أعضاء "التيار"، الذين سيستمرون في حكومة العبادي. وكان الصدر قد أمهل العبادي في خطاب له قبل أكثر من أسبوع 45 يومًا لتشكيل حكومة تكنوقراط، وهدد بسحب الثقة منه حال فشله في ذلك.
في غضون ذلك، اتفقت الرئاسات الثلاث في العراق - الجمهورية والحكومة والبرلمان - وقادة الكتل السياسية، في اجتماع مساء الأربعاء الماضي، على خطة رئيس الحكومة الإصلاحية، قبل يوم واحد من المظاهرة.
وقال بيان لرئاسة الجمهورية العراقية إن "المجتمعين أكدوا ضرورة إجراء تغيير وزاري وفق المعايير المهنية والكفاءة، بما يصب في مشروع إصلاح شامل".
وكان حيدر العبادي قد دعا إلى تغيير وزاري، وصفه بالجذري في حكومته، بتعيين وزراء تكنوقراط بدلا من الوزراء المعينين بناء على انتماءاتهم السياسية. وتزامنت دعوة العبادي إلى تغيير جوهري بعد امتناع المرجع الديني علي السيستاني غضبا ربما عن الحديث في السياسة، التي تعود العراقيون أن يسمعوه من على منبر خطبة الجمعة، من وكيله في النجف كل أسبوع.. وربما وجد التيار الصدري في انسحاب السيستاني، ودعوة العبادي إلى تغيير جوهري، فرصة كبرى للتنفيس عن غضبه هو الآخر، عبر النزول إلى الشارع والضغط باتجاه انجاز تغيير بات ملحا، ومنتظرا من كل العراقيين.
فرصة كبرى يراها الصدر باتت متوفرة أمامه، ليس في إحداث تغيير جذري فحسب، بل وفي إزاحة معارضيه، الذي يعترضون مسار التغيير منذ الإطاحة بنوري المالكي من منصبه كنائب رئيس الجمهورية في أغسطس/آب الماضي، وتحميله مسؤولية سقوط نينوى.
ويرى مراقبون أن نزول الصدر بنفسه لقيادة التظاهرات أمر غير مألوف منذ اندلاعها في 30 تموز/يوليو الماضي، وأن هذا النزول وهذه القيادة من جانب الصدر، ربما كانت تدل على بلوغ مرحلة التغيير مستوى لم تبلغه من قبل؛ إضافة إلى أنها قد تكون فرصة لصولة صدرية معاكسة لصولة المالكي ضد أنصار "التيار الصدري" عام 2008.
وتضيف هذه المصادر أن العبادي قد يجد نفسه أقرب إلى الصدر منه إلى المالكي رغم أنه ليس مع الطرفين. ومن هنا، جاء تصريح العبادي قبل تظاهرة الجمعة بأن "العملية السياسية لا يمكن إصلاحها بالتهديد والتحشيد والقهر"، رافضا بذلك المهلة، التي حددها له مقتدى الصدر لمحاكمة متهمين بالفساد.
والسؤال هل اجتمع غضب السيستاني من الأداء السياسي لأطراف التحالف الوطني مع غضب الصدر لإنجاز تغيير ينبع من داخل التحالف الوطني؟ وهل بإمكان العبادي استثمار هذه الفرصة الكبرى للخروج بالعراق من عباءة المحاصصة الطائفية ومن فوضى اللادولة والخروج عن القانون؟.
عمر عبد الستار
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)