قرار مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته الـ33 الذي تحفظت عليه لبنان والعراق وتبرأت منه الجزائر، دفع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي لتوضيح موقف بلاده، معتبرا أن تصنيف حزب الله منظمة إرهابية لا يعكس موقف تونس.
الاستدراك السياسي للجهيناوي أنقذ تونس من الدخول في دوامة الصراعات المذهبية، خاصة أنه ليس لديها أي مشكلة مع حزب الله، كما أن علاقتها بلبنان وايران متطورة جدا.
وقد صرح وزير الخارجية التونسي في وقت سابق بأن "هذه القرارات تصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتعلنها وزارة الخارجية وليس الداخلية، كما أن موافقة وزير الداخلية(التونسي) تأتي في إطار الاجماع العربي لا غير".
لكن يبدو أن التوضيحات التي قدمها وزير الخارجية لم تكف لإسكات المستنكرين مما استدعى تدخل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي أعلن استياءه من قرار وزراء الداخلية العرب، في محاولة لحفظ ماء الوجه.
وأعلم الرئيس السبسي الوزير الجهيناوي بهذا الاستياء لتبادر وزارة الخارجية التونسية إثر ذلك إلى إصدار بيان أكدت فيه أن هذا الاعلان الذي صدر عن إحدى مؤسسات العمل العربي المشترك التابعة لجامعة الدول العربية ليس فيه تصنيف لحزب الله تنظيما إرهابيا، كما أن هذا البيان ليس قرارا ذا صبغة إلزامية.
وقالت الخارجية إن موقف تونس، دولة المقر لمجلس وزراء الداخلية العرب الذي أصدر هذا البيان، يأتي انطلاقا من حرصها على العمل العربي المشترك ويندرج في إطار الموقف الجماعي الذي اعتمده المجلس في نهاية أعماله.
إلى ذلك، صدرت العديد من المواقف التونسية المنددة بقرار وزراء الداخلية العرب وإشتراك تونس فيه، صدرت من أحزاب وهيئات في المجتمع المدني المحلي أبرزها الاتحاد التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين والحزب الجمهوري التونسي وحركة الشعب التونسية.
كما طلب نواب تونسيون بمساءلة وزير الداخلية الهادي المجدوب. وفعلا تمت مساءلته، الجمعة 4 مارس/آذار، ووزير الخارجية شفويا، من طرف النائب في مجلس الشعب عماد أولاد جبريل الذي بين أن سؤاله اندرج في إطار تباين الآراء بين وزارتي الداخلية والخارجية التونسية بخصوص القرار الذي من شأنه المس بمصالح تونس.
وبعد التثبت تم التأكد على أن القرار تم اتخاذه من طرف وزارة الداخلية فقط دون العودة إلى رئاسة الجمهورية، رغم أنها المحددة لسياسة الدولة الخارجية حسب الفصل 77 من الدستور التونسي.
من جهته، أعلن "الاتحاد العام التونسي للشغل"، أكبر منظمة عمالية في تونس، رفضه لقرار مجلس وزراء الداخلية العرب، معتبرا هذا القرار "خضوعا للابتزاز الصهيوني وضربا للمقاومة الوطنية".
وندد الاتحاد في بيان له بقرار مجلس وزراء الداخلية العرب، داعيا الحكومة التونسية إلى التراجع عن تبني هذا القرار "الذي يخدم مصالح الصهاينة والأنظمة الاحتكارية والرجعية ويهيب بكل قوى المجتمع التونسي التصدي لهذا القرار".
بدورها شددت هيئة المحامين التونسيين أن "على القوى الحية في تونس والوطن العربي التصدي لقرار وصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية". ورفضت الهيئة تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، مستنكرة ما وصفته بـ "تنكر تونس لقوى المقاومة الوطنية التي دافعت ولا تزال عن كرامة الأمة الإسلامية"، ودعت الحكومة التونسية إلى التراجع عاجلا عن هذا القرار.
واعتبرت الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية في تونس "القرار الخطير تطاولا سافرا على الحزب الذي عبر من خلال مقاتليه ودماء شهدائه عن شرف الأمة وكرامتها .. بعد إلحاقه الهزيمة بجيش العدو سنتي 2000 و 2006 وقتاله إلى جانب الجيش العربي السوري". وطالبت في بيان لها الحكومة التونسية "بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية".
هذا وأشارت حركة الشعب التونسية إلى أن القرار متناغم كليا مع موقف المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، في دلالة واضحة على أن "مواقف هذه المؤسسات أصبحت بضاعة تشترى بالمال الفاسد المنهوب أصلا من ثروات ومقدرات الشعب العربي".
أما حزب الغد التونسي فقد عبر عن سخطه الشديد واستنكاره لقرار مجلس وزراء الداخلية العرب ومجلس التعاون الخليجي. واعتبر هذا القرار "معاديا للمصالح القومية لأمتنا ويمثل تهديدا لاستقرار لبنان، ويعد تدخلا سافرا في شؤونه الداخلية واستهدافاً لمكون أساسي من نسيجه الوطني بل هو أيضا اعتداء على كل شرفاء العالم".
من جانبه، أعلن "الحزب الجمهوري" في تونس رفضه مشيرا إلى أن حزب الله هو "التنظيم العربي الوحيد الذي يواجه الإرهاب الصهيوني والداعشي".
وقال المسؤولين عن الحزب إن "هذا القرار قد أخطأ المرمى ويمثل خضوعا للسياسات المهتزة لدول الخليج وخلطا للأوراق بطريقة مضرة بالأمن القومي العربي وتمييعا لصراعنا المرير ضد الجماعات الإرهابية".
ودعا الحكومة التونسية لسحب تأييدها لهذا القرار، كما أعلن أنه لن يحول دون تطوير علاقاته وتعاونه مع حزب الله.
إلى ذلك، اعتبر الأمين العام لحزب التحالف الديمقراطي التونسي محمد الحامدي في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك قرار مجلس وزراء الداخلية العرب "فضيحة قومية واصطفافا إلى جانب اسرائيل وأعداء الأمة".
وهكذا ترك السؤال "إرهابي.. أم غير إرهابي؟" حيرة وارتباكا واضحين في تونس، مع تواصل علو أصوات المنددين، تزامنا مع قرار تصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية. فهل تنجو تونس من تداعيات ارتباكها هذا سياسيا ودبلوماسيا؟ أم أن "الفأس وقع في الرأس" واندمجت في الحرب المعلنة ضد حزب الله؟
رباب بن جمعة