مباشر

حروب أصحاب البيعتين!

تابعوا RT على
على الرغم من إجماع التنظيمات المتطرفة على رفض الواقع السائد بكل تجلياته واعتمادها العنف لتغييره بحسب رؤيتها الخاصة، إلا أنها تعاني فيما بينها من تناقضات لا تقل مضاعفاتها حدة.

برز ذلك جليا من خلال ظهور تنظيمين رئيسيين هما القاعدة وداعش، الأول كان الحاضنة التي اندمج بها قادة وأعضاء التنظيمات الجهادية العنيفة السابقة مثل "الجهاد الإسلامي" الذين وفدوا إلى أفغانستان وذابوا في التنظيم الجديد الذي أسسه أسامة بن لادن.

وكان نشاط تنظيم القاعدة يتجه في الأساس إلى محاربة النفوذ الأجنبي والعمل على إقامة دولة برؤية دينية متزمتة، لكنه لم يعلن عن إقامة دولة خاصة وذلك لارتباطه في مهجره بغطاء سياسي يتمثل في بيعة أمير طالبان السابق الملا عمر.

ظهر التنظيم الثاني تدريجيا في العراق، وكان في بداياته على تنسيق وارتباط بتنظيم القاعدة وبقياداته في أفغانستان، لكنه سرعان ما تميز عن التنظيم الأم في الكثير إذ بات أكثر عنفا وتطرفا ولم يكتف بمحاربة القوى الأجنبية "الكافرة"، بل وانخرط في اقتتال طائفي عنيف هناك، وركّز على "تمكين" مستقل في هذه المنطقة من خلال إقامة دولة بدأت بالعراق ثم أضيف إليها الشام ومن بعد نُزعت عنها الصفة المكانية وصارت عابرة للحدود.

حاول تنظيم القاعدة الذي يدين بالولاء الآن بقدر أكبر لزعيمه أيمن الظواهري، لجم اندفاع داعش في صوره الأولية لكنه فشل، وتوترت العلاقات بين الجانبين وتحولت إلى حمى استقطاب حاول كل طرف من خلالها إذابة الآخر، ما أفضى إلى صدام مسلح بين داعش وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة في سوريا، ولولا تشابك الصراع الدموي في سوريا وبروز قوى أخرى منافسة محلية وإقليمية لتواصل القتال بين الجانبين إلى أن ينتهي أحدهما.

يحدث ذلك على الرغم من عدم وجود اختلافات أيديولوجية جذرية بين التنظيمين في الخطوط العامة، إلا أنه وبحسب الموروث التاريخي الذي يلقي بظلال ثقيلة على المنطقة ويتحكم في صيرورتها، يتحتم في كل الأحوال عند وجود بيعتين قتل أحد "الخليفتين".

بوادر الصراع بين داعش والقاعدة لم تقف عند حدود سوريا، فمع انتشار التنظيمات المتطرفة في ليبيا بعد عام 2011، حدث الأمر ذاته في مدينتين، في درنة حيث لا يزال تنظيم داعش يخوض قتالا عنيفا ضد مجلس شورى مجاهدي درنة المحسوب على القاعدة، وفي مدينة صبراتة إلى الغرب من العاصمة طرابلس، تفجر الصراع المسلح بين داعش وتنظيمات أخرى محلية مرتبطة بالقاعدة بصورة أو بأخرى.

وتمكن المسلحون الذين يحملون فكر القاعدة من طرد مسلحي داعش من درنة، إلا أن القتال لا يزال متواصلا بين الجانبين في الجبال المحيطة بالمدينة.

ونفس النتيجة حصلت في صبراتة التي انفجر القتال فيها بعد غارة جوية أمريكية على موقع لداعش أسرفت عن مقتل 49 متشددا، معظمهم من تونس.

وكانت سلطات المدينة المحلية فيما سبق تشدد على خلو صبراتة من الدواعش، لكنها حشدت قواها فجأة بعد الغارة الأمريكية ودخلت في قتال مع هؤلاء وأعلنت أنها طهرت المدينة منهم.

بطبيعة الحال يحاول أصحاب البيعتين وأصحاب التنظيمات المتطرفة الأخرى استرداد الماضي وإحياءه وتطويع الحاضر به شكلا ومضمونا على الرغم من غياب النموذج المثالي التاريخي الذي يمكن أن يتفق عليه جميع أصحاب هذا الاتجاه، ما يعني استعادة التاريخ العنيف وإقامة دولة فوق الجماجم وإبادة الخصوم على العرش.

كل ذلك يؤكد أن أصحاب البيعتين سيقفون في جبهة واحدة طالما كانوا هدفا لقوى أخرى، لكنهم ما إن يشعروا بالاطمئنان فسيتحاربون، ولن تكون قسوتهم في مثل هذا الصدام بأقل مما يظهرونه تجاه "الغرباء" من وحشية في الحرب والسلم.

محمد الطاهر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا