في معسكرات أفغانستان نبتت جذور هؤلاء. هناك خاضوا حربا بالوكالة جُعلوا لها وقودا، وحين خمدت تلك الحرب الضروس أضرموا نيرانهم في خصومهم وانخرطوا في حروب أخرى.
أوغلوا هناك في القتل أكثر واستعذبوا الكراهية، وضاقت الأرض بهم على وسعها بعد أن ضاقت صدورهم، فسكنوا الخرائب وتوحشوا.
حملوا السكاكين وتركوا التي هي أحسن، وخرجوا عن الإنسانية وتحولوا إلى بغاة طغاة لا يتورعون عن ارتكاب أقسى الجرائم ليرهبوا من حولهم ويزرعوا الرعب فيهم كي يتمكنوا من قيادهم باجتثاث إرادتهم وانتزاع آدميتهم.
بعد أن استقر بهم المقام في أفغانستان وشعروا بالتمكين، أداروا ظهورهم لرعاتهم وتحوّل عدد منهم إلى قنابل حارقة طائرة في هجمات 11 سبتمبر، فجن جنون الولايات المتحدة فلاحقتهم في أفغانستان بغزو شامل كاد أن يستأصل شأفتهم، لكن غزو العراق أفسح لهم الطريق وهيأ لهم الدروب والأسباب ليزداد شططهم ويستفحل أمرهم.
وهكذا، أعطى لهم عدوهم الجديد صديقهم القديم، فرصة كبرى لم يفوتوها وانخرطوا في فوضى الاقتتال هناك وازدادوا تطرفا وعددا وعدة وقويت شوكتهم وكبرت أحلامهم ولم يعودوا يعملون في الخفاء فقد منحتهم الفوضى العارمة التي هيأها الغزو الأمريكي براحا واسعا، فازدادوا تجرثما، وحين ضرب زلزال الخراب سوريا امتدوا إليها وعاثوا فيها فسادا وتفننوا في القسوة والتوحش.
ولم يتوقف طوفان الخراب، فوصلوا إلى ليبيا مع غارات الناتو كما لو أنهم يسيرون تحت رايات الغزو التي فتحت أمامهم الحدود وطردت الجند والعسس، وأزالت العقبات ونشرت الفوضى وقالت لهم هلموا فقد حان ربيعكم!
لم يتوقفوا عند أي حد، وساروا مع الرياح العاتية إلى تونس وأصبح اليمن قبلتهم ومرتعهم، وكان الصومال قبل ذلك قد تحوّل إلى أرض خصبة لهم بعد أن نهشت لحمه الحرب تلو الحرب لسنوات طوال، فكيف لهم أن لا يتكاثروا وقد توفرت الأسباب وتهيأت الأرض للخراب؟
لن يتبخر هؤلاء الآن ولن يتوقفوا، ولن يخلعوا زيهم الأفغاني ولن يستبدلوا سكاكينهم وقنابلهم الناسفة وأسلحتهم الثقيلة وغنائمهم الأخرى، فها هم قد وصلوا إلى باريس وتركوا بصمتهم الدامية فيها وهم لن يتورعوا عن المزيد ما استطاعوا، لقد امتد بهم الطريق من أفغانستان إلى العراق إلى الصومال إلى اليمن إلى ليبيا إلى سوريا إلى تونس إلى تركيا إلى فرنسا وإلى أبعد من ذلك.
هؤلاء سيبقون رعبا ماثلا ينشر الموت والخراب في كل مكان ما بقيت الفوضى وتواصل حمام الدم، ولم تطل العدالة أولئك الذين يقفون وراءهم وينفخون في جمرهم من خلف الستارة.
محمد الطاهر