وعلى الرغم من تراجع حدة التوتر، ماتزال المخاوف من خطر انهيار الوضع الأمني واندلاع ثورة "ميدان" جديدة قائمة، بعد أن أكدت القوى الراديكالية مجددا أنها لن تقبل محاولات الحكومة لتهميشها، ولن تتخلى عن الانتصار الميداني والسياسي والأيديولوجي الذي أحرزته في أثناء أحداث ما تطلق عليه كييف اليوم "ثورة الكرامة" في العام 2014.
وجاءت الاشتباكات وأعمال الشغب التي تقف وراءها قوى قومية راديكالية، على خلفية مظاهرات حاشدة لإحياء الذكرى الثانية لأحداث "الميدان"، والتي أدت في فبراير/شباط من العام 2014 إلى الإطاحة بالسلطة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، بالإضافة إلى سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين.
وفي صباح الاثنين 22 فبراير/شباط، وافق المتظاهرون في وسط كييف على إخلاء شارع "كريشاتنيك" المؤدي إلى ميدان الاستقلال، وأزالوا الحواجز التي نشروها فيه سابقا وهي كانت تحمل صورا لضحايا أحداث فبراير في العام 2014.
لكن أعمال الشغب استمرت خلال الليل في كييف، حيث تعرض عدد من فروع مصارف "سبيربنك" و"في تي بي" (وهما مصرفان روسيان) لاعتداءات، فيما أضرم مجهولون النيران في فرع مصرف "سبيربنك" بمدينة لفوف في غرب البلاد وكسروا نوافذ فرع المصرف في مدينة ماريوبول جنوب شرق أوكرانيا.
كما شن المتطرفون هجوما على مكتب رجل الأعمال الأوكراني الثري رينات أحمدوف، واحتلوا فندقا في وسط كييف واشتبكوا مع عناصر "الحرس القومي" الذي حاولوا منع إقامة خيم في ميدان الاستقلال، لكن مع حلول الليل هجر معظم الراديكاليون مخيمهم، تاركين وراءهم قرابة 50 من أنصارهم فقط.
القوى الراديكالية والأزمة السياسية في أوكرانيا
وكان المتظاهرون في ميدان الاستقلال قد رفعوا شعارات تطالب باستقالة الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، باعتبار أنه فشل في الاستجابة لتطلعات الشعب خلال العامين التي مرا على "ثورة الكرامة".
كما طلب المحتجون الذين يعارضون بشدة جهود التسوية السياسية للنزاع المسلح في منطقة "دونباس"، بفرض الأحكام العرفية بشرق البلاد واستخدام القوة العسكرية لإعادة سيطرة كييف على تلك المناطق.
ومن اللافت أن هذا العرض للعضلات يأتي في الوقت الذي تمر فيه أوكرانيا بمرحلة حرجة في الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، وتحديدا بعد أن رفض رئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك الاستقالة، رغم مطالب الرئيس بوروشينكو، وانهيار التحالف الحاكم إثر فشل مجلس النواب في سحب الثقة عن حكومة ياتسينيوك.
وكانت العلاقات بين بوروشينكو وياتسينيوك متأزمة دائما، ولاسيما منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في خريف العام 2014، والتي تقدم فيه حزب ياتسينيوك على "كتلة بوروشينكو".
وعلى الرغم من أن الرجلان تمكنا في البداية من تسوية أو إخفاء خلافاتهما، يبدو أن نزاعهما العلني الأخير أطلق دوامة الأزمة السياسية من جديد.
وبعد الأحداث الأخيرة، من غير المستبعد أن يكون المستقبل السياسي لـ ياتسينيوك وبوروشينكو بات متعلقا بمهارتهما على "مغازلة القوى الراديكالية". وقد سارع ياتسينيوك إلى أخذ زمام المبادرة في هذا المجال، إذ أقر بذنبه أمام المحتجين فيما يخص "تطلعات متظاهري الميدان والتي لم تتحقق".
وفي الوقت نفسه أصر ياتسينيوك على تحقيق عدد من النجاحات في أثناء رئاسته للحكومة، مشيرا إلى التوقيع على اتفاقية انتساب أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
كما ادعى ياتسينيوك أثناء مشاركته في برنامج تلفزيوني مساء الأحد، أن أوكرانيا "أصبحت دولة مستقلة فعلا"، بعد أن كانت "تخضع لإدارة خارجية من قبل روسيا في السابق". وأردف قائلا: "اليوم تعد أوكرانيا دولة للأحرار الذين انتصروا خلال ثورة الكرامة".
وتجدر الإشارة إلى أن "الأحرار" في ميدان الاستقلال الذين تحدث عنه ياتسينيوك، يمثلون منظمة "القوى اليمينية الراديكالية" التي انضم إليها عدد من الحركات القومية، ولاسيما العديد من أعضاء تنظيم "القطاع الأيمن" والذي شهد بدوره مؤخرا انقساما أدى إلى رحيل المتطرف دميتري ياروش أحد قادة "ثورة الكرامة" من منصب زعيم التنظيم.
لكن ياروش لم يقبل الهزيمة، بل تعهد بتأسيس حركة أكثر راديكالية تلعب دورا بارزا في تاريخ البلاد.
المصدر: وكالات