حالة فقدان الأعصاب سيطرت تماما على الساسة الأتراك منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في 30 سبتمبر 2015 لمكافحة الإرهاب في سوريا. وتفاقمت هذه الحالة بعد الخطأ الكبير الذي ارتكبته أنقرة بإسقاط القاذفة الروسية وتدهور العلاقات مع موسكو والذي أسفر إلى الآن عن تعطيل مصالح مئات الآلاف من المواطنين الأتراك.
ومع سير العمليات الروسية، تعطل الكثير من مصالح تنظيم "داعش"، ومن ضمن ذلك ضرب مصادر تمويله النفطية التي كانت تمر عبر الأراضي التركية.
إن أردوغان يواجه حالة من الرفض الشعبي الآن. إضافة إلى أن المعارضة التركية الوطنية بدأت تحاصره بالكثير من الاتهامات التي تتعلق بالأمن القومي والمصالح التركية. بينما المؤسسة العسكرية، التي وجه لها أردوغان الكثير من الإهانات، تراقب الوضع في هدوء. ولا أحد يعرف بالضبط كيف سيكون رد فعلها في حال تجاوز رئيس البلاد، الذي يترأس حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المحافظ الحاكم، الخطوط الحمراء.
مع إحساس أردوغان بالعزلة الداخلية، بدأ باستعراض شعبيته عبر أساليب قديمة للغاية بإخراج مظاهرات لأعضاء حزبه لتعلن تأييده. ولكن هذه الألعاب الإعلامية الكلاسيكية لا تعبر إطلاقا، لا عن الواقع ولا عن الحقيقة. بدليل أن الرئيس بدأ في الفترة الأخيرة باعتقال الكثير من الإعلاميين وأساتذة الجامعات والعسكريين والمعارضين عموما. أي أن أردوغان يقف الآن مع قادة حزبه وساسته ضد النخب التركية التي تنتظر أن يغامر بعملية عسكرية برية في سوريا أو إقامة منطقة ما عازلة لتبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعفائه من صلاحياته. هكذا تدور الأحاديث في بعض أروقة الدبلوماسية التركية، وتتردد بشكل أكبر في اجتماعات الأحزاب المعارضة وبقية النخب التركية التي تشعر بالخطر على بلادها من سياسات أردوغان.
التفجيران الأخيران في كل من أنقرة وديار بكر منحا أردوغان ونظامه السياسي الإسلامي المحافظ جملة من الحجج لإحكام قبضته ليس فقط على الإعلام، بل وأيضا على المعارضة السياسية والنخب، وعلى الأقليات، وبالذات الأكراد. ففي أول رد فعل له على تفجير أنقرة، أكد أردوغان أن "تركيا مصممة على استخدام حقها في الدفاع عن النفس... وعلى الرد بالمثل على الهجمات داخل وخارج حدودنا سيزداد قوة مع هذه الأعمال... يجب أن يكون معلوما بأن تركيا لن تتردد في استخدام حقها في الدفاع عن النفس في أي وقت وأي مكان وأي مناسبة".
وبطبيعة الحال، فالشبهات تدور حول أكبر قدر من الجهات التي تزعج أردوغان. إذ أشار مسؤول أمني تركي بأصابع الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني. وأشار مصدر أمني آخر إلى "داعش". بينما أشار رئيس الوزراء داود أوغلو إلى أن منفذ تفجير أنقرة سوري يدعى صالح نجار من مواليد عام 1992 بمدينة عامودا في ريف الحسكة. ثم عاد داود أوغلو نفسه ليقول عن تفجير ديار بكر: "يمكننا أن نؤكد أن أعضاء تنظيم وحدات حماية الشعب المرتبط بتنظيم حزب العمال الكردستاني الانفصالي الإرهابي يتحملون مسؤولة الهجوم".
هكذا بدأت تصريحات أردوغان وداود أوغلو تحاصر الجميع وكأنهما قررا محاربة طواحين الهواء. الأمر الذي يثير الكثير من الامتعاض والتساؤلات بين النخب المحلية التركية من جهة، وفي بعض دول الشرق الأوسط وأوروبا من جهة أخرى، وخاصة في ما يتعلق بسيناريوهاته الخيالية المرهونة بشروط أكثر منها خيالية، والتي تعمل على توريط أكبر قدر من الدول في خطط وأوهام أردوغان وطموحاته التي باتت تسبب إزعاجا للجميع حتى حلفائه.
أشرف الصباغ