خطاب الرئيس المصري يعدُّ أهم خطاب سياسي له منذ توليه المسؤولية، منذ نحو عام ونصف؛ وقد التزم، على غير عادته، بالنص المكتوب للخطاب، الذي استغرق إلقاؤه 32 دقيقة.
وقد خصص السيسي ثلثي الخطاب للحديث عن إنجازاته، مركزاً على خطر الإرهاب والقوى المتربصة بمصر، وتحدث في القسم الأكبر منه عن الإنجازات. لكن الخطاب تجاهل العديد من الملفات، التي كان ينتظر المراقبون أن يتضمنها.
ومن بين القضايا، التي غُيبت بشكل ملفت، كانت قضية سد النهضة وأزمتها، التي تمثل تحديا كبيرا للمصريين. وعلى الرغم من تذكير أحد النواب له بالقضية أثناء الخطاب، بقوله: "هتعمل إيه في سد النهضة؟"، فإن هذا السؤال لم يحظَ بأي إجابة من السيسي.
يجب القول إن أزمة سد النهضة، تشهد تعثرا في مفاوضاتها حتى الآن، ولم يتم تحقيق أي إنجاز يذكر بشأنها، على الرغم من بذل جهود كبيرة في الجانب المرتبط بالتفاوض السياسي والحوار السلمي. وقد اكتفت الدولة بإشارتين اثنتين إلى ذلك، خارج إطار التفاوض في هذا الملف: أولاهما، لقاء للرئيس بوزيري الدفاع والري ورئيس جهاز الاستخبارات لبحث أبعاد الأزمة وسيناريوهات التعامل معها؛ وثانيتهما، تصريح أخير لوزير الخارجية سامح شكري، قال فيه إن أزمة سد النهضة هي تحت سمع وبصر الأجهزة المصرية كافة، في إشارة إلى الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.
السيسي تجاهل، وربما لم يشأ الخوض في الأزمة المشتعلة بين نقابة أطباء مصر ووزارة الداخلية، رغم الجلسة العاصفة للجمعية العمومية لنقابة الأطباء عشية خطاب الرئيس، والتي شهدت تنديدا بأزمة وصلت ردود الأفعال بشأنها إلى درجة الدعوة إلى الإضراب.
وغابت عن الخطاب السياسي الرئاسي الأول، أمام برلمان مصري منذ عام 2010، أيضا رؤية الدولة بشأن قانون الخدمة المدنية. ذلك القانون، الذي تقوم الدولة بإجراء تعديلات ثمانية عليه، طلبتها لجنة القوى العاملة تمهيدا لإعادة طرحه، وذلك بعد أن رفضه البرلمان من بين أكثر من 340 قانونا.
كذلك، فإن السيسي لم يذكر قضية العدالة الاجتماعية، والأزمات، التي تواجه المواطن في الإسكان والتعليم والصحة، ومستويات الأجور وأسعار الخدمات المتزايدة، مثل: المياه والكهرباء، وما يتعلق بالأرقام الرسمية عن تزايد أعداد المواطنين تحت خط الفقر. ولم يتطرق كذلك إلى إصلاح النظام الضريبي، والتركيز على المشروعات كثيفة العمالة.
وبالطبع، كان ملف حقوق الإنسان غائباً، رغم أهميته وكونه من الأولويات، التي انتظر كثيرون محددات بشأنه تخص المستقبل المنظور، فيما يرتبط بمسألة الإفراج عن ممثلي قوى شبابية.
المحلل السياسي الدكتور عمار علي حسن رأى أن التحدي الأكبر، الذي يواجه مصر الآن، هو ملف مكافحة الفساد. ويعتقد أنه أعلى في سلم الأولويات مقارنة بمكافحة الإرهاب. وأوضح حسن أن هناك ملفات مهمة غابت عن بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي في البرلمان؛ فبالإضافة إلى مسألة سد النهضة، هناك الإصلاح بأشكاله المالية والسياسية.
أما الكاتب عبد الله السناوي، فتوقف عند ذكر السيسي للمشروع الوطني المصري، مطالبا إياه بضرورة وضع ملامح رؤيته لهذا المشروع المهم، الذي لم يحظ بالأهمية اللازمة في عهدي السادات ومبارك. وأشار السناوي إلى أن مصر أضحت في حاجة ماسة إلى مشروع وطني جديد، متطور واضح الملامح، يمثل الرؤية الفكرية والخطاب السياسي؛ لأن الرأي العام قلق من غياب البوصلة السياسية للدولة.
بدوره، ركز المحلل السياسي وعضو مجلس النواب الدكتور عماد جاد علي وبشكل واضح على ما ذكره السيسي من أن مصر دولة مدنية ديمقراطية؛ مطالبا الرئيس بترجمة ذلك عمليا خلال السنوات المقبلة.
خطاب الرئيس السيسي الأهم منذ توليه الحكم، أثار الكثير من علامات الاستفهام، لغياب ملفات غاية في الأهمية، وغياب الاستشراف للمستقبل.
ولعل الحرص هنا كان على نقل وجهات النظر على لسان أصحابها؛ إذ يمثل كل منهم اتجاها وتيارا داخل مصر ومن ضمن نخبتها السياسية، فمنهم من أخذ على الرئيس تجاهل ملفات بعينها، ومنهم من استدرك عليه، ودعاه إلى البناء على ما في خطابه من إيجابيات.
إيهاب نافع