الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ صرح بأن 28 وزير دفاع من الدول الأعضاء في حلف الناتو وافقوا على توسيع التواجد العسكري في شمال البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. هذا التصريح جاء في نهاية اليوم الأول من الاجتماع الوزاري في بروكسل. وهو ما وصفه المراقبون بأن الحلف اتفق على التوسع شرقا نحو الحدود الروسية، وقد يبدأ الحلف بتضمين تلك المهمة رسميا في وثائقه، أو على الأقل يبدأ العمل بذلك بصرف النظر عن أي اتفاقيات مع روسيا، أو مراعاة لمصالحها.
وبطبيعة الحال، فهذه النقلة تتعلق بجبهتين أساسيتين، هما الجبهة السورية والجبة الأوكرانية. ما يعطي انطباعا بأن الناتو يستعد لاستفزازات ما أو مواجهات جزئية، أو في أحسن الأحوال "يضع العصا في الدولاب" أمام روسيا ومصالحها.
أما النقلة النوعية الأخرى، فتكمن في تصريح ستولتنبرغ بأن الحلف ليس لديه بعد خطة لتعزيز مراقبة الحدود التركية من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية، موضحا أنه "من السابق لأوانه الإجابة عن هذا السؤال". هذا النقلة الثانية تتضمن عاملين في غاية الخطورة. الأول، يتعلق بتركيا وأراضيها وحدودها كدولة عضو في الحلف لها حقوق معينة وعليها واجبات أخرى محددة. والثاني، موضوع الهجرة غير الشرعية واعتباره مسألة أمنية تتعلق بنشاطات الناتو، على الرغم من أن تركيا هي التي لعبت دورا سلبيا في هذا الموضوع. بل وأصبحت تستخدمه ورقة ابتزاز لأوروبا والولايات المتحدة وكندا. ولكن دول حلف الناتو نسيت فجأة الضغوط والابتزازات التركية المتعلقة بموضوع اللاجئين، واعتبرته من الموضوعات التي تدخل ضمن دائرة اختصاصاتها العسكرية والأمنية.
في كل الأحوال، فقد أعلن ستولتنبرغ، في ختام اجتماع وزراء دول الحلف في 11 فبراير الحالي، إن أعضاء الحلف وافقوا على إرسال طائرات إنذار مبكر" أواكس" إلى سوريا لتقديم المساعدة في محاربة تنظيم "داعش" كما طلبت الولايات المتحدة في وقت سابق من قادة الحلف. وأوضح بأن الناتو سيعمل على تشديد الراقابة عند الحدود السورية - التركية.
المراقبون يرون أن الناتو يضع تركيا ضمن سيناريو متحرك يمكن استخدامه لأسباب مختلفة ومتعددة في حال قرر الحلف أن يقوم بمواجهات جزئية مع روسيا في الشرق الأوسط أو في البحر الأسود. من جهة أخرى، يمكن للحلف أن يتذرع بموضوع الهجرة غير الشرعية للتدخل في نزاعات الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأزمة السورية، والليبية أيضا. علما بأن ستولتنبرج أكد بأن الحلف ينوي توسيع نشاطاته لمكافحة تنظيم داعش، ولكنه لم يقل كيف!!
في الحقيقة، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد استبق تصريحات ستولتنبرج، وقال إن تعزيز مواقف روسيا في العالم لا يروق للقيادة الأمريكية على الإطلاق، ولذلك يحاول البعض في واشنطن إجبار موسكو على خوض الحرب على جبهتين. وعلى الرغم من أن لافروف أكد أنه ليس من أنصار نظرية المؤامرة، إلا أنه رأى وجود دلائل على رغبة البعض في واشنطن في إجبار روسيا على خوض الحرب على جبهتين، كما يقولون هم بأنفسهم في دوائر ضيقة. واعتبر أن هؤلاء "الصقور" الأمريكيين لا يريدون تخفيف التوتر في أوكرانيا، بل يعملون على إثارة "مراحل ساخنة" جديدة في سياق الأزمة بمنطقة دونباس في جنوب شرق أوكرانيا، لكي لا يشعر الروس بحياتهم في سوريا كأنها "الفردوس الموعود"، على حد تعبيره.
إن هذه التصريحات التي أدلى بها لافروف لصحيفة "موسكوفسكي كمسموليتس" الروسية مستبقا فيها تصريحات ستولتنبرج، تحمل في طياتها العديد من الملاحظات المهمة، وعلى رأسها مماطلة الناتو والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب لأهداف محددة، وإشعال الأوضاع في أوكرانيا عموما، وفي منطقة دونباس على وجه الخصوص، والعودة إلى استخدام ورقة جورجيا برصد مساعدات مالية وإحياء حلمها في الانضمام إلى حلف الناتو، والعبث في دول آسيا الوسطى. كل ذلك إضافة إلى تأجيج الأوضاع في بولندا ودول البلطيق. وفي الحقيقة، فالكثير من الخبراء والمراقبين كانوا قد تحدثوا كثير طوال السنوات الأخيرة حول نوايا النانو وواشنطن. وعلت نبرتهم عندما بدأت العمليات العسكرية الروسية لمكافحة الإرهاب في سوريا، حيث ألمح البعض بأن الولايات المتحدة وحلفها الأوروأطلسي يسعيان بشتى الطرق إلى توريط روسيا في أكثر من منطقة ساخنة في وقت واحد.
من جهة أخرى، يرى وزير الخارجية الروسي أن إصرار واشنطن على الحفاظ على عقوباتها ضد روسيا، يثبت أن الأمر يتعلق في حقيقة الأمر، ليس بالوضع في أوكرانيا وسوريا، بل بتعزيز مواقف روسيا كدولة لها توجهات خاصة بها في الشؤون العالمية، وهو وضع لا يروق على الإطلاق للكثيرين في واشنطن التي تبذل جهودا جبارة لترويج "خرافة الخطر الروسي" في العالم لكي تبرر وجود حلف الناتو الذي فقد هدفه كحلف عسكري منذ تفكك حلف وارسو.
في كل الأحوال، موسكو تدرك جيدا نوايا واشنطن والناتو، وبالذات في ما يتعلق بفتح الجبهات المختلفة، كما ذكر لافروف. مع العلم بأن مواصلة توسع الناتو شرقا، تعتبر تجاهلا تاما للالتزامات التي أخذها الغرب على عاتقه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، عندما تعهد بعدم نشر بنية تحتية عسكرية في أراضي الأعضاء الجدد في الحلف. والغريب في هذا الصدد أن أعضاء الناتو رفضوا قطعيا اقتراحا روسيا جعل مبدأ "الأمن غير القابل للتجزئة"، ملزما قانونيا، وأصروا على أنه لا توجد أي ضمانات مطلقة على الأمن خارج الحلف. وهو ما يجعل الحلف يضم دول قوية وغنية وأخرى ضعيفة وفقيرة، أو بالأحرى "سادة" يقودون ويسيطرون، و"عبيد" في حاجة إلى الأمن والحماية من "خرافة الخطر الروسي" التي يروج لها "السادة".
أشرف الصباغ