فيما كانت أعمال العنف تجتاح معظم مدن ليبيا الساحلية بداية عام 2011 ، في خلال ما يعرف بالربيع العربي في نسخته المحلية العنيفة، تسلل لصوص في 25 مايو، بحسب إحدى الروايات، إلى قبو المصرف التجاري الوطني في شارع عمر المختار في بنغازي، بعد أن تمكنوا من إحداث فجوة في الخرسانة المسلحة، ووصلوا إلى أكبر كنز من هذا النوع في العالم.
كسر اللصوص خزانات القبو الخشبية ونهبوا 7700 قطعة من العملات القديمة يعود بعضها إلى عصر الإسكندر المقدوني، من بينها 364 قطعة نقدية ذهبية، و2433 قطعة فضية، و4484 من العملات البرونزية، و306 قطعة من المجوهرات الأثرية، تتضمن أنواطا وأساور وقلائد وأقراطا وخواتم، وشارات ذهبية وأحجارا كريمة، بالإضافة إلى 43 من قطع الآثار المختلفة والتماثيل الصغيرة من البرونز والعاج والزجاج.
وضع الجناة أيديهم على القطع الأثرية الثمينة، ولم يقربوا 8 صناديق حديثة، ما يشير إلى أن اللصوص جاءوا خصيصا من أجل هذا الكنز النادر الذي ظل لعقود طويلة في مأمن من أيدي العابثين!
عُثر على هذا الكنز بين عامي 1917 – 1937، وهو يتكون من أربع مجموعات، الأولى اكتشفت أثناء التنقيب في معبد أرتميس بمدينة سوسة الأثرية عام 1917، والثانية استخرجت من قصر الأعمدة في مدينة طلميثة عام 1937، والثالثة تضم 2000 قطعة نقدية أثرية مما يعرف بمجموعة (Meliu)، والرابعة أضيفت عام 1980 وتضم قطعا أثرية.
وللدلالة على قيمة هذا الكنز الأثري الكبيرة تكفي الإشارة إلى أن عملة يونانية واحدة من قرطاج تم بيعها في أكتوبر عام 2011 في مزاد علني بباريس بسعر قياسي بلغ 431 ألف دولار!
وعلى الرغم من أن هذا الكنز شهد العديد من الأحداث الكبرى والحروب إلا أنه صمد طويلا، ففي عام 1942 مع تقدم قوات الحلفاء في الأراضي الليبية، نقل العسكريون الإيطاليون الكنز إلى روما حيث أودع في متحف إفريقيا الإيطالي حتى عام 1961، تاريخ إرجاعه إلى برقة، موطنه الأصلي بليبيا.
ويؤكد حافظ الولدة، وهو خبير آثار ليبي يعمل في "كينجز كوليدج" في لندن، أن عملية السطو الكبرى هذه قام بها أناس على معرفة قريبة بالكنز الذي قال إنه لم يكن يعلم به الكثيرون، في حين وصفت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) السرقة بأنها بمثابة كارثة.
في الأشهر اللاحقة لعملية السطو، تم رصد تداول عملات ذهبية قديمة مرارا في سوق الذهب في بنغازي، وقُبض في مصر على فلاح بحوزته 503 قطع من النقود القديمة وتمثال من الذهب ارتفاعه 3 بوصات، جميعها من كنز بنغازي المنهوب!
والأدهى أن المجلس الوطني الانتقالي الذي كان يتولى إدارة الأمور في شرق ليبيا أوائل عام 2011، لم يقم بالإبلاغ عن هذه السرقة إلا بعد 6 أشهر من وقوعها، لأسباب سياسية فيما يبدو تتعلق بسمعة السلطة الجديدة التي تبحث عن الاعتراف الدولي.
وبالطبع، تم فيما بعد توزيع بيانات عن قطع الكنز المنهوب عبر الانتربول إلى جميع أجهزة الأمن في العالم لتتبعها واستعادتها، إلا أن مثل هذا الاحتمال يبقى ضئيلا لإمكانية صهر العملات الذهبية والفضية وبيعها، بالإضافة إلى أن مثل هذه القطع الأثرية الثمينة تختفي عن الأنظار نهائيا حال وصولها إلى أيدي جامعي العملات والتحف الأثرية الخواص.
محمد الطاهر