إلى ذلك، تداولت وسائل إعلام مؤخرا تفاصيل قصة حقيقية شيقة تروي أسرار مرحلة معينة من حياة الرئيس مبارك، عندما كان ضابطا، تم خلالها أسره لدى دولة عربية شقيقة لمصر وربطه بجذع نخلة.
موقع "ناظور سيتي" المغربي نقل عن الباحث محمد لومة القصة التي اختلفت الروايات حول تفاصيلها، لكن الأكيد أن عام 1963 شهد توترا في العلاقات المصرية المغربية، خاصة بعد إطاحة الضباط المصريين الأحرار بالملك فاروق، الأمر الذي جعل الزعيم الجديد لمصر عبدالناصر يساند الجزائر في حربها ضد المغرب، فيما عرفت بـ"حرب الرمال".
وقد أرسلت مصر آنذاك قوة عسكرية تقدر بنحو ألف جندي وضابط إلى الجزائر، بينهم عقيد طيار لم يكن معروفا وقتها، إلا أنه أصبح الأشهر في بلاده بعد أقل من عقدين من الزمان، حيث أصبح لاحقا الرئيس محمد حسني مبارك.
صعد العقيد مبارك و5 ضباط مصريين آخرين، بالإضافة إلى عضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية شريف بلقاسم، على متن طائرة الهليكوبتر التي كلفت باستطلاع الحدود الجزائرية-المغربية، ومنطقة القتال، وانطلقت الهليكوبتر في مهمتها، لا يعلم من عليها أنهم لن يعودوا إلى نفس مكانهم هذا مجددًا، فالرحلة لم تسر كما خططوا لها نهائيًا.
وهنا اختلفت الروايات حول ما حدث بالتحديد، حيث يقول البعض إن عاصفة رملية قادت الطائرة التي كان على متنها مبارك إلى مصيرهم المجهول في صحراء المغرب، فيما يقول آخرون إن قائد الطائرة ظل طريقه، وفي كلتا الحالتين النتيجة كانت واحدة.
واضطرت الطائرة للهبوط في حقول زراعية، بين الدواجن والكلاب، لتحاط في ثوان محدودة بأصحاب تلك الحقول، ويتبين لهم أنهم هبطوا في آخر مكان يتمنون أن يكونوا فيه في تلك اللحظة.. شرق المغرب، أصبح مبارك ومرافقوه أسرى لا حول لهم ولا قوة محاطين بسكان واحة محاميد الغزلان المغاربة الذين اعتبروا المصريين صيدا ثمينا للمملكة، لا سيما مبارك العقيد الطيار.
وسريعا انتقل ضابط من المخابرات المغربية لموقع آسر الضباط المصريين، ليجدهم مكبلين بالحبال ومربوطين إلى جذوع النخيل، بل وحتى الهليكوبتر تم ربطها إلى جذوع النخيل، ما فسره سكان القرية بخوفهم من أن تطير!.
الدقائق مرة كقرون على مبارك الذي كان مكبلا بالحبال ومربوطا إلى جذع نخلة في الصحراء المغربية، وكان حضوره إلى ذلك المكان خطأً غير مقصود، غير أنه كلفه الكثير.
"ماذا سيحدث لي وباقي طاقم الطائرة الآن، هل سيقتلوننا، أم سيحتفظون بنا أحياء" أسئلة كانت تجول بخاطر الضابط الطيار مبارك الذي تملكه الخوف بعد سماعه حديث أهل واحة محاميد الغزلان، مع الجيش المغربي الذي أكد آنذلك أن 8 أشخاص سيحلون بالمكان قريبا لنقل الآسرى المصريين.
الليل يزداد صقيعًا في هذه الواحة في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر من عام 1963، والعقيد يشعر بأطرافه ترتجف، ليس بوسعه أن يفعل شيئًا الآن، سوى انتظار مصيره حين سيصل ذلك الشخص المنتظر. يسند مبارك رأسه إلى جزع النخلة ويغمض عينيه مستعيدًا اللحظات التي قادته إلى هذا المصير.
وبعد ذلك، نقل المصريون إلى مراكش، حيث معتقل دار المقري الشهير، والذي اكتظ في هذه الأثناء بأعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين اعتقلوا على خلفية ما عرفت في المغرب بـ"مؤامرة 15 يوليو 1963" ووضعوا في إحدى القاعات التي توجد في زاوية من زوايا الدار.
وثار الملك المغربي الحسن الثاني، معتبرا أن ذلك دليل واضح على تدخل مصر في الصراع بينه وبين الجزائر، ليقرر استدعاء سفير بلاده في القاهرة، ويطرد المعلمين المصريين من المغرب، حتى وصل به الأمر إلى منع الأغاني المصرية من الإذاعة، والأفلام المصرية من دور السينما.
ومرت الأيام على المعتقلين في "دار المقري"، وتقول روايات إن مقدما منهم رفض الحديث مع المحققين، وطلب الاحتكام لاتفاقية جنيف المتعلقة بأسرى الحرب، كما تقول نفس الرواية إن مبارك تحدث واعترف بكل شيء أمام المحقق المغربي، إلا أن تلك الروايات تبقى غير مؤكدة.
وانتهت الحرب وظهرت بوادر تحسن في العلاقات بين الجمهورية المصرية والمملكة المغربية، ودعا الرئيس المصري جمال عبدالناصر الملك الحسن الثاني لزيارة القاهرة، ووقف ليستقبله في مطار القاهرة مصطحبًا طفلة صغيرة تحمل باقة من الورد قدمتها للملك المغربي بعدما وطأت أقدامه أرض العاصمة المصرية، لينحني الملك ويقبلها ويعود لينظر للرئيس المصري قائلًا: "شكرًا سيدي الرئيس على باقة الورد، وأنا بدوري سأهديك باقة من اللحوم الحية"، ما كان يعنيه الملك حينها هو أنه سيسلم لعبد الناصر مجموعة الضباط المصريين، وبينهم حسني مبارك، الذي عاد من الأسر ليترقى في المناصب إلى أن وصل لكرسي الرئاسة، عام 1981.
المصدر: وكالات