الزيارة الرسمية الأولى من نوعها لرئيس صيني لمصر والشرق الأوسط منذ ما يزيد على 12 عاما، والتي تتزامن مع مرور 60 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وبكين تشهد انطلاقة جديدة للشراكة الاستراتيجية التي جرى اطلاقها بين البلدين عام 2014 وشملت ستة مجالات أساسية هي سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وثقافية وإنسانية وتكنولوجية وفضائية الشؤون الإقليمية والدولية، وذلك في إطار تنامي العلاقات بين البلدين والتي تشهد خصوصية كبيرة منذ ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو، تلك الخصوصية بلغت مداها اقتصاديا وسياسيا وربما تشمل أيضا تعاونا عسكريا الى جانب التفاعل الثقافي والإعلامي، إذ شهدت مرحلة الإعداد للزيارة تسليم مساعد وزير الخارجية الصينية دعوة رسمية للرئيس السيسي قبل ما يزيد على إسبوعين لحضور مصر كضيف شرف في قمة العشرين التي ستشهدها بكين أبريل المقبل، والتي يحق للدولة المضيفة دعوة دولتين فقط للحضور كضيف شرف، وهو ما يدلل على طبيعة العلاقات بين البلدين .
الزيارة تشهد التوقيع على نحو 20 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الجانبين يشهد الرئيسان التوقيع على 12 اتفاقية منها، وهي اتفاقية التعاون للحزام والطريق بين الصين ومصر، والبيان الختامى المشترك(البرنامج التنفيذى)، واتفاقية التعاون الاقتصادى والتكنولوجى بين مصر والصين، ومذكرة التفاهم بشأن المنحة الإنمائية لفترة 2016-2018 بين مصر والصين، واتفاقية تمويل مليار دولار بين بنك الدولة الصيني للتنمية والبنك المصري المركزي، واتفاقية تمويل 700 مليون دولار بين بنك الدولة للتنمية الصينى والبنك المصري الأهلى، واتفاقية تعاون بشأن تمويل مشروعات الكهرباء، والاتفاقية الإطارية لتمويل مشروع تطوير شبكة الكهرباء المصرية، وعقد لمشروع تطوير شبكة الكهرباء، وعقد لمشروع محطة توليد الكهرباء بالحمراوين، و4 اتفاقات عقود مشروطة بشأن تنفيذ المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية، وتستكمل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بنحو من 8 إلى 9 يشهدها رئيس الوزراء شريف اسماعيل.
الرئيس عبد الفتاح السيسى أكد ترحيب مصر قيادة وحكومة وشعبا بالرئيس الصيني شى جين بينج وزيارته للقاهرة و اعتزاز مصر بعلاقاتها الوثيقة مع الصين وتطلعها لتعزيزها وتنميتها فى مختلف المجالات، وبالطفرة الاقتصادية التي تحققها الصين وما تقدمه من نموذج للتوظيف الأمثل للقوة البشرية من أجل دفع عجلة التنمية.. مشيرا إلى التاريخ الممتد من علاقات التعاون الوثيقة التي تجمع بين مصر والصين وشعبيهما الصديقين، والتي ساهم طريق الحرير البرى والبحرى فى تنميتها واستدامتها.
وقال: تواصل مصر مساهمتها في تعزيز مبادرة الرئيس الصيني بإعادة إحياء طريق الحرير من خلال قناة السويس التى تربط الشرق بالغرب وتساهم بفعالية في تعزيز حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية.. مشيرا إلى أن"مصر الجديدة" تتيح العديد من الفرص الاستثمارية الواعدة فى المشروعات الكبرى التي تستهدف تحقيق التنمية الشاملة، ومن المؤكد أن مصر ترحب على المستويين الرسمي والشعبي بالاستثمارات الصينية وتشجعها، وستظل مصر تعمل بإخلاص مع الصين من أجل تحقيق المصلحة المشتركة والتنمية المرجوة وإثراء المجتمع الدولي بقيم التعاون والتنمية للإسهام فى تحقيق الخير والتقدم للبشرية بأسرها".
ومن جانبه، أكد رئيس الصين شي جين بينج فى كلمته أن الصين تنظر دائما إلى علاقاتها مع مصر من زواية استراتيجية ومنظور بعيد المدى وتدفعها إلى الأمام رغبة في أن تسعى مع الجانب المصري إلى تطوير الصداقة التقليدية بينهما وتبادل خبرات التعلم والاستفادة بين الحضارتين وتعميق التعاون فى المجالات المختلفة فى إطار "الحزام والطريق" من أجل أن يتقاسم الشعب فى البلدين ثمار التنمية ويعيش حياة أفضل.. موضحا أن العلاقات الصينية – المصرية ارتقت إلى علاقات شراكة استراتيجية شاملة فى عام 2014، مشيرا إلى أن مصر هي أول دولة عربية وأفريقية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين الجديدة، وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورا سليما ومستقرًا خلال 60 عامًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية وأصبحت العلاقات الصينية المصرية نموذجا للتعاون بين الصين والدول العربية وبين الصين والدول الأفريقية وبين الجنوب والجنوب.
هكذا شخص الرئيسان المصري ونظيره الصيني العلاقة بين البلدين في كلمتيهما في العدد الخاص الذي صدر من مجلة "الصين اليوم" بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات بين البلدين.
زيارة الرئيس الصيني لمصر لا تقف عند حد توثيق الصلات الاستراتيجية بمصر فحسب بل يزور كذلك الجامعة العربية ويلتقي أمينها العام الدكتور نبيل العربي في خطوة لتوثيق صلات الصين، الدولة العظمى الناهضة بقوة، والآملة في لعب دور قوي في منطقة الشرق الأوسط ، والعالم العربي ، وبين الجامعة العربية ، بيت العرب، كرمزية لاهتمامه بكافة الدول العربية.
فيما يرتبط بالبعد الثقافي في الزيارة التاريخية للرئيس الصيني لمصر فستقام غدا بمدينة الأقصر احتفالية ثقافية كبيرة أشرفت عليها دار الأوبرا المصرية والصينية معا، وشهد وزير الثقافة المصري حلمى النمنم على مدى اليومين الماضيين بروفات لتلك الاحتفالية التي قال إنها ستشهد لأول مرة إنشاء دار للأوبرا في مدينة الأقصر، التي تحوي ثلث آثار العالم ، لتبقى شاهدا للتاريخ على تلك الزيارة للرئيس الصيني لمصر، وتفعيلا للعام الثقافي المصري الحالي 2016 الذي شهد كذلك ترجمة أعمال لكتاب مصريين بارزين للغة الصينية وكذلك ترجمة بعض الأعمال الصينية للغة العربية .
على جانب متصل يتأهب مجلس النواب المصري غدا لاستقبال الرئيس الصيني في زيارة تاريخية بعد أيام من انعقاد المجلس، في أول زيارة لرئيس دولة أجنبية للمجلس الجديد، حيث سيعقد الرئيس الصيني لقاء مع عدد من النواب كممثلين للكتل السياسية المختلفة الى جانب هيئة مكتب مجلس النواب.
زيارة تاريخية تفتح صفحة جديدة لقوتين ناميتين تنظران معا لمستقبل أكثر تفاعل وقوة لبكين "التنين" الصيني القادم بقوة كأحد ثلاثة قوة كبرى في العالم بالتوازي مع "الدب" الروسي، إلى جانب التواري الواضح للدور الامريكي في منطقة الشرق الأوسط، وهو أيضا ما يتوازى مع الصعود الواضح لمصر من جديد كقوة عظمى في الشرق الأوسط تجمعها صلات استراتيجية مع كلا القطبين الناهضين بقوة.
إيهاب نافع