المواجهة السياسية بل والعسكرية غير المباشرة بين إيران والسعودية تجري في المنطقة منذ عدة عقود، لا سيما بعد ظهور ما يسمى بـ"الربيع العربي" عام 2011، لكن مجرايات الأحداث الأخيرة، أي إعدام السلطات السعودية في 2 يناير/كانون الثاني من العام الجاري 47 شخصا ومن بينهم رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر واقتحام السفارة السعودية بطهران في اليوم التالي من قبل الجماهير الغاضبة، والذي تبعه قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الطرفين، أدى إلى تزايد أصوات المعتقدين بأن منطقة الشرق الأوسط تقف على شفا حرب واسعة بين الرياض وطهران.
وفي ظل هذه التطورات تطفو على السطح قضية القدرات العسكرية التي تملكها القوات السعودية والإيرانية، لكن مقارنتها تكشف عدم وجود تفوق عسكري ملموس لأي من طرفي الحرب المحتملة.
القوات السعودية لديها كميات كبيرة من أحدث المعدات العسكرية التي توردها الولايات المتحدة للمملكة، ويقترب حجم الميزانية الدفاعية السعودية من حوالي 60 مليار دولار لتحتل الرياض المرتبة الرابعة عالميا من حيث هذا المؤشر، ويصل العدد العام لعناصر قواتها العسكرية 233 ألفا.
أما القوات الإيرانية فيصل العدد العام لعناصرها إلى 550 ألفا، الأمر الذي يجعل الجيش الإيراني الأكبر في المنطقة، لكن في الوقت نفسه بلغ حجم الميزانية الدفاعية للدولة في العام الماضي 10 مليارات دولار فقط وتتمثل معظم معداتها العسكرية بطرازات قديمة للغاية.
الميزة الأساسية التي تملكها إيران تكمن في عدد جنودها وقدراتهم القتالية الأعلى مقارنة بالقوات السعودية التي لم تستطع على مدى 10 أشهر، رغم أنها مزودة بأحدث المعدات العسكرية، تحقيق نجاح ملموس في اليمن، حيث تواجه الرياض جيش الحوثيين الذين لا يملكون إلا أسلحة قديمة.
ويتصف بالتالي ميزان القوة العسكرية بين الجانبين بالمساواة النسبية، إذ لا يستطيع أي منهما القضاء على الآخر في فترة زمنية قصيرة أو حتى متوسطة الأمد، ما يخفض بشكل كبير احتمال اندلاع حرب واسعة مباشرة بين الرياض وطهران.
ترتبط مخاوف العديد من المراقبين من إمكانية تحول هذا السيناريو إلى واقع نظرا لخصوصية النزاع الإيراني السعودي الذي يحمل لأول وهلة طابعا دينيا، حيث تقدم السعودية نفسها كزعيم للعالم السني بل والإسلامي بأسره، في حين تلعب طهران دور قوة رئيسة تمثل جميع أتباع الشيعة، ونظرا لهذا الأمر تقوم عقيدتا السياسة الخارجية لكل من الرياض وطهران بشكل ملموس على الأفكار التبشيرية.
لكن الأسباب الحقيقية التي تشكل أساسا لهذه المنافسة تتعلق بالدرجة الأولى بمجرد الصراع على السلطة الجاري بين قوتين إقليميتين أساسيتين والذي يؤججه دائما العامل الديني، لا سيما منذ انتصار ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979.
لا شك في أن كلا الدولتين تنطلقان في سياسيتهما الخارجية من الدوافع البراغماتية، أما الخطاب الديني فليس إلا سلاحا لدى كل منهما لتعبئة الجماهير وتجنيد أنصار جدد.
وتفهم كل من السلطات السعودية والإيرانية جيدا أن اندلاع حرب شاملة بينهما سيؤدي إلى مواجهة عسكرية طويلة الأمد ستقضي على الاستقرار الداخلي النسبي، الذي تتمتع به الدولتان، وستسفر في نهاية المطاف عن تداعيات كارثية لكلا الطرفين بل وللمنطقة الشرق أوسطية برمتها.
وتدل التصريحات التي أدلى بها المسؤولون السعوديون والإيرانيون في أعقاب وقوع الأزمة الأخيرة في العلاقات بين الطرفين على أن الرياض وطهران لا ترغبان على الإطلاق في مواصلة تصعيد الوضع.
وفي هذا السياق أكد ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان في 7 يناير/كانون الثاني أن بلاده لن تسمح باندلاع حرب بينها وبين إيران.
وقال محمد بن سلمان: "هذا أمر لا نتوقعه على الإطلاق، وكل من يدفع باتجاه هذا (الحرب) هو شخص ليس في كامل قواه العقلية، لأن الحرب بين المملكة العربية السعودية وإيران هي بداية لكارثة كبرى في المنطقة، وهو ما سينعكس بقوة على بقية العالم. . بالتأكيد لن نسمح بأي شيء من هذا القبيل".
من جهتها أعربت طهران عن موقفها إزاء هذه القضية على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي أعلن في 9 يناير/كانون الثاني أن بلاده لا تريد تأجيج التوترات مع السعودية وسائر جيرانها الخليجيين.
وبعث ظريف رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الـ8 من يناير/كانون الثاني، طلب منه إيصالها إلى كل من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة قال فيها: "ليس لدينا أي رغبة في تصعيد التوتر في محيطنا"... "علينا أن نكون موحدين في وجه التهديدات التي يشكلها المتطرفون علينا جميعا".
وفي هذه الظروف يبدو أن الخطوة الأكثر أهمية التي يجب على كل من السعودية وإيران اتخاذها تكمن في تقليل طموحاتهما المبالغ فيها، حيث تظهر التطورات التي تمر بها الشرق الأوسط في الأعوام الماضية أن لا طهران ولا الرياض قادرتان على فرض نفسيهما كقوة إقليمية كاملة النفوذ وبسط السيطرة بشكل تام على المنطقة.
ومن أجل وضع نهاية حقيقية لعملية تصعيد العلاقات بين الطرفين، التي قد تلحق في حال مواصلتها، أضرارا جسيمة بالتسوية في سوريا واليمن وعملية محاربة "داعش""، وعدم تحول الأزمة الراهنة بين الدولتين إلى مواجهة عسكرية مباشرة لا بد لهما من إيجاد صيغة جديدة لتقاسم السلطة بمشاركة الجانبين في العمليات السياسية في سوريا والعراق واليمن والدول الأخرى بالمنطقة على أساس المساواة.
رفعت قاسوموف