الرئيس الأمريكي أوباما، أعلن من جهته وبشكل مفاجئ أنه كان يؤيد روسيا على الدوام في حربها على تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأعرب عن أمله في أن تتحول موسكو عن دعم الحكومة السورية وتصب ثقلها على مواجهة "داعش"، ليبرز السؤال أيضا، عما حمله هو الآخر على الصمت، وعدم الإفصاح عن التأييد فعلا، حتى حصد الإرهابيون أرواح 172 باريسيا، فضلا عن الجرحى والإصابات الذين خلّفوهم؟
اعتاد العالم، بل سئم منذ اندلاع الأزمة السورية سماع عبارة واحدة أصبحت تعويذة يرددها أوباما وكيري وهولاند وأردوغان وأصدقاؤهم في دول المنطقة مطالبين بـ"رحيل النظام السوري"، وأنه ما من تسوية بوجوده وأن "السبب الرئيس وراء انتشار الإرهاب ونشوء "داعش" يكمن في بقاء النظام وأركانه وامتناعه عن الرحيل بما يتيح التفرغ لـ"داعش"، وأنه إذا ما ذهب، فإن الهم الأكبر سيزول عن النفوس وسترتاح القلوب في سائر الإقليم.
واستمر أصحاب التعويذات طوال خمس سنوات يؤكدون بلا ملل، ضرورة تحقيق مطلبهم هذا تمهيدا لأي تسوية في سوريا، إلى أن أطلقت روسيا عمليتها الجوية في سوريا، وراحت تستهدف مواقع الإرهابيين بغض النظر عن تسمياتهم والشعارات التي ينشطون تحتها.
إدارة أوباما تحديدا، استمرت بدورها في نهج "القتل والسير في الجنازة" حتى انحشر أوباما في الزاوية ولم يعد له ما يسوغ تراجعه الكبير أمام التقدم الذي أحرزته موسكو بعمليتها الجوية التي لا غبار عليها من منظور القانون الدولي.
خطوة روسيا المفاجئة، وفي تقليد روسي يعرفه الساسة والمؤرخون، باغتتهم وحملتهم مكرهين على تغيير اللهجة، والبحث عن سبل الخروج من الورطة، ولاسيما بعد لقاءات موسكو واجتماعات فيينا الأخيرة، كي لا يكونوا آخر من يشارك في التسوية.
ومنه، فالملفت في الأحداث الأخيرة إلى جانب "هبة" هولاند للدفاع عن مواطنيه، استهداف الرقة "العاصمة" غير الرسمية للتنظيم، ومساعي انضمامه إلى روسيا في عمليتها الجوية، ونيله غفران موسكو بعد إيعاز بوتين لسفنه في المتوسط "التعامل مع الفرنسيين مع وصول حاملة طائراتهم كالحلفاء"، وذلك قبيل وصول هولاند في زيارة لم تكن مقررة إلى روسيا ليبحث مع المسؤولين فيها سبل العمل المشترك على مسار مكافحة الإرهاب.
ومما تقدم، يتبادر السؤال: هل أن الضحايا التي تكبدها الشعب الفرنسي سقطت ثمنا لسياسة هولاند، والتمنع عن التعاون مع روسيا والإمعان في مسألة "زوال النظام السوري" مهما كان الثمن؟
وهل أن هولاند في إصراره هذا وجوقته على ضرورة "رحيل النظام السوري" كان يريد التزبّب قبل التحصرم؟ إذ طالما ناشدت موسكو وطالبت بترك الخلافات السياسية جانبا، والتركيز على مكافحة الإرهاب أولا، ومن ثم معالجة القضايا الأخرى استنادا إلى الشرعية الدولية وسيادة الدول.
والسؤال الأهم على خلفية هذا التحول في موقف هولاند وسواه وانصياعهم ولو حتى قولا للانضمام إلى روسيا في جهودها: هل ستفلح موسكو في فضح العواصم التي تمول الإرهاب وتأويه، وتتمكن من تعرية "إباحيي السياسة" الذين يعيثون في بلدان المنطقة والعالم فسادا، وهل ستتمكن من صد الحملة الدعائية الشعواء ضدها فيما صار الرعب والهلع يستولي على ألباب الآمنين في سائر الدنيا؟ وكيف سيبرر هولاند وسواه هذه المرة ضرورة "رحيل النظام السوري" الذي لا يمكن بمعزل عن قواته البرية ومعرفته بأرضه تحقيق أي انتصار على مخلوقات آثرت العيش في الأنفاق والظلام، وأتقنت تصنيع العبوات الناسفة وتفجير أنفسها للقضاء على أكبر عدد ممكن من البشر بغض النظر إن كانوا في باريس أو غيرها؟
عيون الملايين في روسيا وأوروبا والشرق الأوسط مشدودة نحو موسكو، فهم مؤمنون بقدرة روسيا على دحر الإرهاب في سوريا عملا بما أكده الرئيس بوتين الذي اعتاد منه العالم قبل شعبه على أن يقرن القول بالفعل.
وكل محاولات هولاند وأوباما وكيري وغيرهم، و"مساعيهم الحثيثة" أخيرا لمحاربة "داعش" في سوريا، والتصريحات الرنانة، وحملة "العشرين طائرة حربية" على الرقة لن تسمن ولن تغني من جوع، وستخفق في تضليل الرأي العام ولن تفلح في انتزاع شرف النصر على الإرهاب من موسكو، إذ للغرب باع طويل في محاولات تزييف التاريخ والتقليل من دور روسيا والشعب السوفيتي الحاسم في النصر على الفاشية في الحرب العالمية الثانية.
صفوان أبو حلا