والثري الروسي اليهودي هنا لا يأسف للمأساة بقدر ما يفرغ حقده على القيادة الروسية في مقاله، الذي نشره السبت 14 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري على موقع "روسيا المفتوحة"، ويضع روسيا و"داعش" في صف واحد مقابل "الدول الديمقراطية"، لأن "الدول، التي يشعر فيها أمثال (الرئيس الشيشاني رمضان) قديروف بأنهم أسياد الموقف، لا تختلف عن "الدولة الإسلامية" إلا قليلا".
وخودوركوفسكي يريد حل أزمات الشرق الأوسط. وذلك "يعني تعديل الحدود وإنشاء دول جديدة".. وأن تجد حلا لها مشكلة الأكراد، الأثنية الكبرى، التي لا تستطيع إنشاء دولتها القومية الخاصة.. وأن تجد حلا لها أيضا مشكلة ضمان حقوق العرب- السنة، الذين، سيطالبون، على الأرجح، برسم حدود دولتهم وأراضيهم".
وكان خودوركوفسكي قد دعا في مطلع العام، بعد نشر صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية رسومها المسيئة للنبي الكريم، دعا الصحافيين الروس إلى إعادة نشرها، وقال "لا فض فوه" إنه "لا يجوز أن تبقى مطبوعة واحدة من دون رسوم كاريكاتورية عن النبي"، ذلك في الوقت الذي وصف فيه قديروف خودوركوفسكي بأنه "عدو كل المسلمين".
يجب القول إن خودوركوفسكي اعتُقل عام 2003، وكان أحد ضحايا مشروع «لملمة الأراضي الروسية» المبعثرة، التي قام بها فلاديمير بوتين بعد اعتلائه سدة الرئاسة عام 2000، حين دعا أثرياء روسيا الجدد، الذين ظهروا في عهد رئاسة بوريس يلتسين، واستحوذوا على مفاتيح اقتصاد البلاد، وراكموا أرباحا فاحشة عبر شرائهم "بثمن التراب" ممتلكات القطاع العام في مزادات علنية صورية، دعاهم إلى سداد الضرائب وتطوير القطاعات، التي استولوا عليها، والتوقف عن تهريب الأموال إلى الخارج، وإلى الاهتمام بشؤونهم الاقتصادية وحسب.
وقد وافق حينئذ معظمهم على الالتزام بأصول اللعبة الجديدة، في حين غادر البلد من لم يشأ ذلك، ومن بينهم كان كاردينال الكرملين الرمادي وبارون النفط والإعلام والطيران السابق اليهودي بوريس بيريزوفسكي، الذي توفي في لندن، والقطب الإعلامي حامل الجنسيتين الإسرائيلية والروسية فلاديمير غوسينسكي.
أما خودوركوفسكي، ففضّل البقاء في روسيا، وتابع نشاطه السياسي، ودعمه لحزب "يابلوكو" الغربي الولاء وللحزب الشيوعي الروسي وغيرهما من الأحزاب.
وفي الوقت نفسه أصبح من أشد المتحمسين لسياسات الولايات المتحدة، وبخاصة في غزوها للعراق في عام 2003، الذي وقفت روسيا وألمانيا وفرنسا ضده.
وقد عول خودوركوفسكي على حماية الولايات المتحدة، وبخاصة بعد نيته إنشاء ائتلاف بين "يوكوس" وشركة "إيكسون موبيل" النفطية الأمريكية، ما كان يضع أمن الطاقة الروسي تحت رحمة واشنطن، الأمر الذي لم يُبق أمام بوتين خيارا آخر سوى تطبيق القانون، ولا سيما أن سجل خودوركوفسكي كان حافلا بالجرائم الاقتصادية في أواخر أيام الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك تأسيسه مصرف "ميناتب" بالتزوير، بفضل علاقاته مع قيادات الحزب الشيوعي عندما كان نائبا لوزير الطاقة والوقود في النصف الأول من الثمانينيات، ومسؤولا في اتحاد الشبيبة الشيوعية (الكومسومول) في النصف الثاني من الثمانينيات. الأمر، الذي مكنه من شراء غالبية أسهم مجموعة "يوكوس" النفطية بالاحتيال، ليتحول إلى أكبر ملياردير في البلاد بثروة بلغت نحو 15 مليار دولار، حسب تقديرات مجلة "فوربس" الأمريكية.
وإلى جانب جرائمه الاقتصادية في العهد السوفياتي، ارتكب خودوركوفسكي جرائم قتل ونهب في أيام الاتحاد الروسي.
بيد أن خودوركوفسكي بعد استجابة بوتين لالتماس العفو عنه، والذي تقدم به إلى الرئيس الروسي في أواخر عام 2013 "لأسباب إنسانية" بسبب مرض والدته، لا يدع مناسبة تفوت من دون أن يعطي رأيه في شؤون السياسة الروسية أو الدولية.
ولعل ميخائيل خودوركوفسكي يظن أنه في حل من تعهداته، التي قدمها في السجن بعدم التدخل في الشؤون السياسية، والتي أكدها لمجلة "ذي نيوز تايمز" الروسية المعارضة بعد يومين من الإفراج عنه، حيث قال: "كتبت في وثائقي ما قلته مرارا في العلن: لن أعمل في السياسة!"
ولعل تدخله في السياسية كان لأن فتح أبواب الحرية أمام السجناء يمحو عهودهم أحيانا، لكن من المؤكد أن قضايا الشرق الأوسط أعجزت رجالا هم أكبر من رجل أعمال مثل ميخائيل خودوركوفسكي، وهو لا يعلم ذلك.
حبيب فوعاني