مباشر

ماذا لو سخرت الآن صحيفة من أحداث باريس!

تابعوا RT على
اجتاح العلم الفرنسي صور مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، في حملة تضامن واسعة مع الشعب الفرنسي وأهالي وأقارب ضحايا العمليات الإرهابية التي ضربت مؤخرا باريس.

 هذه الحملة الواسعة النطاق عكست موقفا إنسانيا عاما، واتفاقا ضمنيا على معايير إنسانية وأخلاقية تليق بالإنسان العاقل والقادر على تبادل المشاعر الإنسانية الصادقة مع الآخرين بصرف النظر عن عرقهم أو دينهم أو ثقافتهم. وعلى الرغم من تلك الحملة، إلا أن الآراء اختلفت كثيرا، لأننا هنا لا نستطيع أن نتحكم في ذلك العالم الافتراضي الواسع والمراوغ. فهناك قطاعات رفضت حملة التضامن هذه، وقطاعات أظهرت شماتة، وقطاعات أخرى حاولت الربط بين تلك الأحداث المأساوية وبين مواقف الحكومة الفرنسية، سواء من طموحاتها في الدول الأخرى، أو تبعيتها للولايات المتحدة، أو حتى تعاملها بمعايير مزدوجة مع قضايا إنسانية، ومخاطر وتهديدات للبشر.

هناك من رأى أن وضع العلم الفرنسي على صورته أو صفحته الخاصة يعد تضامنا من حقوق الضحايا وتعاطفا مع ذويهم ومع الشعب الفرنسي ضد الإرهاب، وليس له علاقة من بعيد أو قريب بمواقف وتحركات الحكومة الفرنسية. وفي الوقت نفسه، رأي البعض الآخر أن نشر العلم المصري على صفحته أو بدلا من صورته تضامنا مع الإرهاب الذي يضرب مصر، أمر مرفوض لأن العلم هنا له علاقة بالحكومة المصرية. بمعنى أن العلم الفرنسي يمثل الشعب الفرنسي، بينما العلم المصري يمثل النظام المصري.

وفي ما يتعلق بحادثة الطائرة الروسية، فإن الضحايا كانوا من المواطنين الروس. أي أن روسيا فقدت 224 مواطنا على أراضي دولة أخرى، وهو عدد كبير إذا ما قورن بأعداد الضحايا الذين فقدتهم روسيا في أحداث مشابهة. ولكن لم تظهر حملات التضامن هذه على نطاق واسع، مثلما حدث مثلا مع أحداث باريس الأولى منذ عدة أشهر عندما تعرضت مجلة "شارلي إبدو" لهجوم إرهابي أوقع ضحايا من موظفيها والعاملين فيها.

لقد جاءت أحداث باريس الأخيرة بعد 13 يوما من سقوط طائرة الركاب المملوكة للشركة الروسية الخاصة في الأجواء المصرية. ولا شك أن وسائل الإعلام الغربية والعربية والروسية أدلت بدلوها في حادث الطائرة الذي لم تظهر بعد نتائج التحقيقات فيه. ولا يزال بعض وسائل الإعلام يواصل بعض المناورات بشأن الروايات والفرضيات، وطرح العديد منها. ومع ذلك تغلب الرأي الصائب والسليم بضرورة انتظار نتائج التحقيقات. وهذا لا يعني أن الأمور تقتصر فقط على التحقيقات. فهي تنسحب على اتخاذ إجراءات أمنية وقائية واحترازية، وتحركات للأجهزة والهيئات المعنية.

خلال الثلاثة عشر يوما، اجتاحت وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، حمى الفرضيات والروايات. ولكن الأكثر إثارة للانتباه أن مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية التي أصبحت شهيرة، نشرت مرتين متتاليتين صورا كاريكاتورية تتعلق بحادث سقوط الطائرة الروسية في مصر، وأشارات بالغة السخرية للحادث. بل واستبقت كل الفرضيات الممكنة لتدفع بروايتها الساخرة عن الحادث. ومهما كانت نتائج التحقيقات، فإذا افترضنا أن ما طرحته مجلة "شارلي إبدو" قد يكون أحد الفرضيات، فلماذا السخرية؟ إن الموقف هنا يتعلق بأرواح 224 شخصا، وبعلاقات دول ببعضها البعض في ظل موجات إرهابية تهدد جميع دول العالم، بما فيها فرنسا نفسها.

وعلى الفور تصاعدت الأصوات، بأن هذه هي سياسات وتوجهات المجلة الفرنسية. وهذه هي معايير الديمقراطية وحرية الرأي التي تتميز بها الدولة الفرنسية ومؤسساتها. في الحقيقة، الرد مقنع جدا ومنطقي للغاية. فهناك معايير لحرية الكلمة تعتمدها الدولة الفرنسية ومؤسساتها ووسائل إعلامها حتى وإن طالت مآسي ونكبات الدول الأخرى وضحاياها، وحتى إن سخرت من أشلاء ضحايا الطائرات والنكبات والأعمال الإرهابية.

لكن وسائل التواصل الاجتماعي قامت بالرد على "الرد المنطقي" السابق. وبعيدا عن الشماتة والانحطاط الأخلاقي، وبعيدا أيضا عن ربط ما جرى في باريس، في المرتين الأولى والثانية، بسياساتها وطموحاتها الإقليمية والدولية ومغامرات ساستها ضمن التحالفات العسكرية.. بصرف النظر عن كل ذلك، طرح ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي سؤالا مهما للغاية: ماذا لو قامت صحيفة أو مجلة بنشر صور أو كاريكاتير للسخرية من الحادث المأساوي في باريس؟ ماذا لو ظهرت رسوم ما تصف علاقة الاستخبارات الأمريكية بالأجهزة الأمنية الفرنسية وخلفها أشلاء الضحايا؟ ماذا لو ظهر كاريكاتير يتضمن أقمارا صناعية للتجسس وأسلاك هواتف وهواتف نقالة وأجهزة تنصت على قصر الإليزية، بينما ينظر الرئيس الفرنسي هولاند إلى ليبيا بشراهة؟

تساؤلات كثيرة للغاية ظهرت في هذا السياق، ولكنها لم تجد ردودا منطقية لا في إطار الحرية والديمقراطية، ولا حتى في إطار الأخلاق المهنية، ولا في إطار المشاعر الإنسانية.

 أشرف الصباغ

 

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا