وأهم هذه السبل هو استكمال توزيع اللاجئين بين دول الاتحاد، وضبط الحدود.
ويأتي هذا الاجتماع قبل أيام من اجتماع موسع في 11 و 12 من الشهر الجاري في مالطا يضم قادة نحو ستين بلدا من القارتين الأوروبية والإفريقية لمناقشة الأسباب العميقة التي تدفع أعدادا كبيرة من الأفارقة للقدوم إلى أوروبا.
ويشكل اجتماع القمة خطوة أوروبية متقدمة على صعيد ممارسة الضغوط على دول الهجرة في إفريقيا، إضافة إلى تركيا.. وعلى الرغم من تراجع نسبة الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا بعد غرق ثمانمئة مهاجر غير شرعي كانوا مكدسين على مركب قبالة ليبيا الربيع الماضي، فإن نسبة المهاجرين الأفارقة لم تتقلص، إذ شكلت تركيا بديلا عن ليبيا للوصول إلى أوروبا.
ويبدو أن فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل لاتفاق مع تركيا حيال الهجرة، دفعه إلى القارة السمراء لبحث السبل الكفيلة في تخفيف حدة لجوء الأفارقة الذين لا تتوفر لديهم شروط طلب اللجوء باستثناء الإريتريين.
وتعمل مالطا التي تستضيف القمة على طرح آلية عالمية لإعادة التوطين، في إجراء طويل المدى لمواجهة أزمة الهجرة، فهي معنية بمشكلة الهجرة على المدى الطويل، وهذا الأمر يزعج الأفارقة الذين يأخذون على الاتحاد الأوروبي التسهيلات التي يقدمها للمهاجرين السوريين في مقابل العراقيل التي يضعها أمام المهاجرين الأفارقة تحت عنوان الهجرة الاقتصادية، وكان وزير الاستيعاب الإفريقي صريحا حين قال "لا يمكننا أن نسمح بسياسة المكيالين".
الخطة الأوروبية تقوم على حث بعض البلدان الإفريقية على إعادة قبول المزيد من رعاياها المهاجرين على أراضيها مع مساعدات مالية وخطط لإعادة الاندماج، وفي حين ترفض بعض الدول الإفريقية الخطة الأوروبية، أبدت دول أخرى قبولها بها شرط إرسال مزيد من العاملين الشرعيين إلى أوروبا وهو ما ترفضه الأخيرة.
ويبدو أن الأفارقة يدركون جيدا أن هذا الطلب لن يُقبل به، ولذلك يمكن القول إن مطالبتهم بهجرة شرعية تندرج في إطار السمسرة الاقتصادية عبر رفع المساعدات المالية الأوروبية، حيث تطالب بعض الدول برفع مستوى المساعدات المالية إلى أكثر من 1.8 مليار يورو، وهو المبلغ المقرر أن تعلنه قمة مالطا، لكن ثمة دول أوروبية ترفض رفع مستوى المساعدات المالية.
ألمانيا
ارتفاع تداعيات الهجرة إلى أوروبا مع ارتفاع عدد الدول الرافضة للهجرة، بدت ألمانيا وكأنما تسير في مركب آخر، ووجدت نفسها أمام احتمالين: إما وضع العراقيل للحد من الهجرة تماشيا مع الدول الأخرى، أو المضي قدما في سياستها الحالية مع ما سيتسبب به ذلك، ليس بزيادة حدة التوتر بين الدول الأوروبية فحسب، بل أيضا بزيادتها داخل ألمانيا نفسها.
وتصريح وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله أمس من أن "بلاده بحاجة لأن تبعث برسالة إلى العالم بأنها بذلت كل ما في وسعها لمساعدة اللاجئين أننا مستعدون جدا للمساعدة وأثبتنا أننا كذلك ولكن إمكانياتنا محدودة أيضا"، مؤشر على أن برلين قد انحازت إلى الخيار الأول.
وتشهد أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا خلافات بشأن أفضل السبل لمعالجة الأزمة مع الحجم الكبير لتدفق المهاجرين على المجتمعات المحلية، وبدأت ملامح الخلاف داخل الائتلاف الحاكم مع إعلان وزير الداخلية توماس دي مايتسيره قبل أيام من أن اللاجئين السوريين في المستقبل سيحصلون على وضع لاجئين معدلين وسيُمنعون من إحضار أفراد أسرهم للانضمام إليهم، وهو تصريح تراجع عنه فيما بعد بسبب رفض المحافظين بزعامة ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يرى أن تقييد سياسة لم شمل العائلات يعرض النساء والأطفال إلى المخاطرة بحياتهم للوصول إلى أوروبا.
لكن مقترح وزير الداخلية ما زال يلقى تأييدا من قبل الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي يحكم ولاية بافاريا التي تتحمل العبء الأكبر من أزمة اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا.
ويتوقع أن ترتفع حدة النقاشات خلال الأسابيع المقبلة حيال هذه المسألة، في وقت ما تزال المظاهرات التي ينظمها اليمين المتطرف المنددة بسياسة الهجرة مستمرة، وشهدت البلاد منذ يومين مظاهرات ومظاهرات مضادة حول الهجرة، الأمر الذي يعكس حالة الانقسام على المستويين السياسي والشعبي معا.
ومع أن الحكومة الألمانية قد حافظت حتى الآن على سياسة منفتحة تجاه اللاجئين، إلا أن سياسات دول البلقان الانفرادية أولا، وتحفظات دول أوروبية أخرى ثانيا، وانقسامات داخل ألمانيا ثالثا، قد تدفع برلين خلال المرحلة المقبلة إلى إغلاق باب اللجوء إليها، أو على الأقل ضبطه بحيث يسمح للاجئين الحاليين بالبقاء ولم شمل عائلاتهم.
حسين محمد