مباشر

طاغية يقتل الملايين ليخلص بلاده من اليأس

تابعوا RT على
على الرغم من أن العالم المعاصر شهد العديد من الدكتاتوريات العنيفة، إلا أن فترة حكم الخمير الحمر بزعامة بول بوت لكمبوديا، على قصرها، تعد الأكثر فظاعة ووحشية وغرابة.

ويمكن القول إن جرائم الخمير الحمر في كمبوديا وممارساتهم العنيفة تعد من أشد صفحات التاريخ المعاصر دموية ورعبا. هذه الدكتاتورية العنيفة جاءت كمعظم مثيلاتها بشعارات براقة عن مجتمع مثالي!.

بعد حرب أهلية استمرت 5 سنوات أسقطت قوات الخمير الحمر المعبأة بأفكار متطرفة ذات صبغة شيوعية ماوية حكم الجنرال لون نول الموالي للولايات المتحدة، وسيطرت على العاصمة بنوم بنه في 17 أبريل العام 1975، وفُتحت من ذلك التاريخ أبواب الجحيم في هذا البلد الواقع جنوب شرق آسيا في شبه جزيرة الهند الصينية.

استقبل شعب كمبوديا المنهك بالفقر وبالفساد وبالغارات الجوية الأمريكية على المناطق المحاذية لفيتنام "المحررين الجدد" بفرح غامر، لكن ذلك لم يدم طويلا، وسرعان ما غمر الجميع رعب لا حدود له.

أعلن حكام كمبوديا الجدد بزعامة بول بوت أو "الأخ رقم 1" بدء "التجربة الثورية" بهدف "بناء مجتمع شيوعي خالص" يتكون من الفلاحين. مجتمع مكتف بذاته وغير مرتبط بأية عوامل خارجية.

اختفت إثر ذلك دولة كمبوديا من الوجود، وظهرت محلها دولة "كمبوتشيا" الديموقراطية، واستكمل بذلك أحد أكثر الأنظمة قمعا ووحشية في التاريخ الإنساني أركانه.

مرت "التجربة الثورية" في كمبوديا بمراحل عنيفة بدأت بطرد جميع سكان المدن إلى الأرياف وإجبارهم على العمل في الزراعة، بما في ذلك 2 مليون شخص كانوا يسكنون العاصمة بنوم بنه، وإلغاء التعامل بالنقود، وحظر التعليم وتحويل المدارس والجامعات إلى سجون، وحظر تام على ممارسة الشعائر الدينية، وحظر اللغات الأجنبية والقضاء على مسؤولي وعسكريي النظام السابق وتصفيتهم جسديا.

أجبر نظام الخمير الحمر الكمبوديين على العمل في مزارع جماعية بأدوات بدائية لمدة تمتد من 12 – 14 ساعة يوميا، وبنظام تغذية قاس. وقام بحرق منازلهم حتى لا يجدوا مكانا يلجؤون إليه، وحظر الصيد ليتفرغ المواطنون للزراعة والكدح.

تسببت الممارسات الوحشية في مقتل الكثيرين إعداما وبسوء التغذية وسوء الرعاية الصحية، ولقي نحو 3 ملايين شخص حتفهم بين عامي 1975 – 1979، أي ما يقارب 25 % من سكان كمبوديا البالغ تعدادهم آنذاك 8 ملايين نسمة.

كما تعرضت جميع الأديان في كمبوديا للحظر تحت طائلة الموت. وتم تدمير المعابد البوذية والكنائس وجميع مساجد كمبوديا وعددها 180. ولم يبق من 40 ألف مسلم على قيد الحياة في محافظة كامبونج تشام سوى 4 أشخاص بعد سقوط نظام الخمير الحمر.

 وأعلن الأخ "رقم 1" في سبتمبر من عام 1977 أنه نجح تماما في تخليص كمبوديا من ألفي عام من اليأس!. فماذا ترك خلفه هذا الزعيم الدموي؟

ترك بول بوت كمبوديا في عام 1979 في حالة من البؤس الشديد والخراب، مخلفا 142 ألف مُقعد، و200 ألف يتيم، وبلدا تحت الركام، دمرت فيه أكثر من 600 ألف بناية بما في ذلك 6000 مدرسة و1000 مستشفى ومركز صحي، و1968 معبدا بعضها تم تحويلة إلى حظائر للخنازير ومستودعات ومعتقلات.

وفي نهاية المطاف فر بول بوت والمقربون منه إلى الأدغال بعد أن سحق الجيش الفيتانامي قوات الخمير الحمر، وسيطر على كامل كمبوديا منهيا حكمهم الدموي.

توارى "الأخ رقم 1" عن الأنظار وتوفي "حتف أنفه" نتيجة إضابته بقصور في القلب في عام 1998 بمخيم لفصيل من بقايا الخمير الحمر.

مكث الفيتناميون بعد ذلك في كمبوديا 10 سنوات حتى عام 1989 بقوات تعدادها 180 ألف جندي، طويت صفحة الخمير خلالها نهائيا، إلا أن آثار جرائمهم لا تزال شاهدة على الوحشية والجنون، وهي درس ماثل لاستخلاص العبر.

محمد الطاهر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا