مباشر

انتخابات البرلمان المصري: فشل السلطة أم النخب السياسية أم انتفاضة صامتة؟

تابعوا RT على
عكست المرحلة الأولى في الانتخابات البرلمانية المصرية حالة من العزوف عن التصويت، وتراجع الإقبال بشكل أثار دهشة وسائل الإعلام المصرية، والمسؤولين عن الانتخابات.

بعد انتخابات برلمان 2010 في مصر، والعيوب التي شابت عمليات الاقتراع آنذاك وكانت أحد أسباب أحداث 25 يناير 2011، ارتفعت وتيرة الاهتمام السياسي بشكل غير مسبوق، لدرجة أن معدلات الإقبال ونسب التصويت في استفتاء 19 مارس 2011، ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات التي تلت ذلك، كانت غير عادية في الحياة السياسية في مصر.

الاستحقاق الثالث والأخير في خريطة الطريق التي وضعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هو انتخابات البرلمان التي كان الإقبال فيها ضعيفا للغاية، لدرجة أن الحكومة المصرية منحت العاملين في الدولة نصف يوم عطلة من أجل التوجه إلى مراكز الاقتراع والتصويت لرفع معدلات الإقبال.

وسائل الإعلام المصرية رأت أن الحكومة لو كانت قد منحت الموظفين عطلة ليوم كامل، لما ذهبوا إلى مراكز الاقتراع، وبقيت معدلات الإقبال كما هي. لكن المدهش أن لهجة وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية (التابعة لرجال الأعمال) تغيرت بشكل يثير الدهشة والتساؤلات. فبعد أن كانت تتحدث عن "الشعب المصري العظيم"، و"الشعب المصري الواعي"، و"الشعب الذي يعي مصالحه بعد ثورة 30 يونيو"، و"الشعب الذي يدعم الرئيس"، انقلب الحديث خلال النصف الثاني من يوم 18 أكتوبر الحالي، إلى انتقادات "للشعب الذي لا يعي مصالحه" و"الشعب الذي لا يدعم الرئيس" و"الشعب غير الواعي". وتصاعدت لهجة الانتقاد للمصريين عقب إغلاق مراكز الاقتراع في اليوم الأول، على أمل أن "يفيق الشعب من غفوته" ويشارك في الانتخابات، لدرجة أن مقدمي برامج "التوك شو" وضيوفهم من رجال الجيش والشرطة ورجال الدينين الإسلامي والمسيحي بدأوا في توجيه العظات الدينية، وإطلاق الفتاوى، وتوجيه الكلمات القاسية للشباب الذين لم يشاركوا تقريبا في عمليات التصويت.

الانتقادات والتقريع موجهان إلى فئة الشباب تحديدا. والشباب في مصر غاضب من أجل أصدقائه الذين قتلوا خلال السنوات الأربع الماضية، وغاضب من أجل أصدقائه الموجودين في السجون بتهم سياسية مختلفة، على رأسها "التظاهر ضد قانون التظاهر". الشباب المصري غاضب لغياب العدل والعدالة والقانون، الشباب غاضب لتفشي الفساد السياسي والإداري في مصر. ولذلك عزف الشباب (60% من الناخبين) عن التوجه إلى مراكز الاقتراع، ولم يهتموا بفتاوى رجال الدين المسلمين والمسيحيين، أو يبالوا بالأخبار والتهديدات التي تنشرها وسائل الإعلام الحكومية أو التابعة لرجال الأعمال بشأن الغرامة المالية على الذين يمتنعون عن التصويت.

التفسيرات والتحليلات تتوالى بشأن هذه الظاهرة. البعض يراها فشلا للسلطة والنظام السياسي الحالي، لأنهما لم يتمكنا من ردم الهوة بينهما وبين الشباب، ولم ينجحا في لم شمل الأطياف السياسية أو إقامة حياة سياسية صحية يمكن أن تعمل فيها القوى السياسية، والتحالف مع القوى الدينية السلفية، وإعادة رموز الحكم الذي سبق أحداث 25 يناير 2011، وتوحش وسائل الإعلام الحكومية، وغيرها من المملوكة لرجال الأعمال، والتي غرقت في مستنقع التخوين وتوجيه الاتهامات بالعمالة والخيانة والجاسوسية لكل من يعارض أو ينتقد النظام السياسي الحالي.

ولكن هناك من يرى أن الفشل أيضا لا يقتصر على ممارسات النظام السياسي، ولكن النخب السياسية تتحمل جزء من المسؤولية، فهي لم تتمكن من التواصل مع الشباب، وحاولت تغييبهم والتلاعب بهم، واتخذت مواقف تتعارض مع أحلام وطموحات غالبية المصريين، التحالفات غير المقدسة بين بعض القوى السياسية والنظام السياسي، وظهور تحالفات أخرى بين قوى من أقصى اليسار مع قوى من أقصى اليمين مع طرح شعارات سياسية خادعة ومتناقضة مع برامج هذه القوى السياسية. إضافة إلى الغرق أيضا في مستنقع الاتهامات والتخوين والإقصاء.

هناك أيضا اتجاه ثالث يتحدث عن انتفاضة صامتة يمارسها المصريون عموما، والشباب على وجه الخصوص، بعد أن أدركوا حجم الهوة التي تفصلهم عن النظام السياسي وتوجهاته السياسية من جهة، وبعد أن فهموا أيضا مدى التردي السياسي الذي غرقت فيه النحب السياسية من جهة أخرى.

لكن المفاجأة المهمة التي وردت في إشارات وتلميحات، هي أن هذه الانتخابات التي تعد الاستحقاق الثالث والأخير في خريطة الطريق، ليست فقط انتخابات برلمانية، وإنما استفتاء على مرور 16 شهرا على وجود الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة السلطة في مصر.

أشرف الصباغ

 

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا