وعلى عكس المفاوضات الماراثونية، التي استمرت سنوات طويلة للوصول إلى اتفاق، فإن معظم الأطراف ترجح انتهاء هذه المرحلة الأخيرة قبل رفع العقوبات في غضون 3 أشهر على أبعد تقدير.
ويبدو أن الطريق لعودة إيران ورفع العقوبات عنها بات سالكا، ولا يمكن أن تعطله شياطين التفاصيل التي أشبعت نقاشا في مئات الجولات.
وحسب اتفاق جنيف الموقع في منتصف يوليو/تموز الماضي، يجب على الأطراف الشروع في تنفيذ التزاماتها بعد 90 يوما من اقرار الاتفاق في مجلس الأمن.
وتلزم خطة عمل مشتركة وقعت عليها مجموعة "5+1" وإيران، الأخيرة بتجميد عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي، والتخلص من نحو 95 في المئة من اليورانيوم المخصب بإجراء عملية تبادل مع روسيا تستلم الجمهورية الإسلامية بمقتضاه خامات اليورانيوم الطبيعية.
كما تتعهد إيران بإعادة تصميم وبناء مفاعل أراك للأبحاث بحيث لا يصبح قادرا على انتاج البلوتونيوم المستخدم في إنتاج الأسلحة النووية، وكذلك الرد على تساؤلات الأمم المتحدة بشأن أنشطتها النووية السابقة التي يشك الغرب في أنها ذات صلة بتصنيع أسلحة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أصدر مذكرة يوجه بمقتضاها إدارته التحضير لتعليق العقوبات المفروضة على إيران وذلك وفقا للاتفاق حول برنامجها النووي، ومن المنتظر أن يصدر الاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا مع إيران في هذا الشأن.
ويتوقع أن تجتمع الأطراف المشاركة في الاتفاق غدا في فيينا وتشكل مجموعة فرعية تناقش المسائل التقنية وتخفيف العقوبات، التي من المقرر رفعها بعد تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أوفت بالتزاماتها كاملة في تقرير من المتوقع نشره في 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ومن المستبعد أن تتعطل مسيرة تنفيذ الاتفاق النووي، فكلا الطرفين يقدمه كانتصار في معركته مع الآخر، فالاحتفالات عمت طهران والمدن الإيرانية عقب توقيع الاتفاق، الذي استقبل بارتياح لدى فئات واسعة من الشعب، وأكدت طهران أنها استطاعت فرض معظم شروطها وحقها في الأنشطة النووية السلمية.
فيما قال وزير الخارجية البريطاني في تصريحات صحفية يوم الأحد إن "هذا اليوم مهم لاتفاق تاريخي"، وأكد أن تنفيذ الاتفاق يضمن أن "يبقى السلاح النووي بعيدا عن متناول إيران، وخلق منطقة أكثر أمنا، ويوفر في الوقت ذاته الفرص أمام إيران للانخراط في المجتمع الدولي".
نتائج الاتفاق على إيران والمنطقة
وواضح أن تنفيذ بنود الاتفاق النووي جَنَبَ إيران انهيارا اقتصاديا كبيرا على خلفية العقوبات الأممية، وعقوبات أمريكية وغربية منفردة على قطاع النفط والغاز والقطاع المصرفي، أفقدت العملة الإيرانية كثيرا من قوتها، وخفضت انتاج البلاد من النفط إلى أقل من مليون برميل يوميا، ما دفع إيران في عام 2012 إلى التلويح بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لإمدادات النفط العالمية.
ويبدو أن طهران ستكون قبلة أصدقائها وأعدائها في الفترة المقبلة للظفر بحصة أكبر من "كعكة" الاستثمارات في مختلف القطاعات، تبدأ بالنفط والغاز ولا تنتهي بقطاع السيارات والمكائن.
ويوقف تبني الاتفاق النووي رسميا سباق التسلح في المنطقة مؤقتا، بعدما صرفت بلدان الخليج العربي مئات المليارات ثمنا لصفقات أسلحة من الولايات المتحدة والغرب، في إطار سعيها للرد على أي ضربة إيرانية لمنصات النفط أو المصالح الحيوية في هذه البلدان في حال تطورت المواجهة مع الغرب عسكريا.
ويجنب الاتفاق المنطقة سباقا لتطوير السلاح النووي، خاصة بعد التطمينات الأمريكية والأوروبية بأن إيران لن تستطيع انتاج هذا النوع من الأسلحة.
لكن التنافس الإقليمي بين إيران والسعودية قد يتصاعد في الفترة المقبلة على خلفية شعور إيران بقوتها مع رفع العقوبات، الذي يفتح على تقوية اقتصادها وقدراتها المالية، والمحافظة على قدراتها العسكرية التقليدية التي شهدت تطورا ملحوظا في السنوات العشر الأخيرة.
وتخشى بلدان الخليج من زيادة دور إيران بعد تنفيذ الاتفاق والاعتراف بدور إيران كقوة إقليمية عظمى تتشعب مصالحها واتصالاتها من أفغانستان وبحر قزوين وآسيا الوسطى شرقا، وشمالا إلى العراق، وسوريا ولبنان وفلسطين غربا.
وإذا كانت بلدان الخليج العربي من ضمن فريق الخاسرين فإن إسرائيل هي في عداد الرابحين، رغم ارتفاع صوتها رفضا للاتفاق.
وسوف تتقاضى الدولة العبرية منحا تصل إلى 4 مليارات دولار ثمنا لصمتها وعدم تعطيل التوصل إلى الاتفاق النووي، رغم أنها لم تكن قادرة على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية لافتقادها الأسلحة القادرة على ذلك، وتوزع هذه المنشآت على مساحة كبيرة وفي مناطق جبلية محصنة، ناهيك عن أن أي ضربة إسرائيلية كان يمكن أن تجلب الويلات بردود من حزب الله وحماس وصواريخ إيرانية بعيدة المدى.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)