وعليه، فقد أعلن باراك أوباما قراره هذا في كلمة ألقاها يوم أمس، حيث قال: "أعارض فكرة الحرب إلى ما لا نهاية، وعبرت غير مرة عن معارضتي الانخراط في نزاعات مسلحة إلى ما لا نهاية دون أن تهدد هذه النزاعات أمننا القومي".
وكشف عن أنه وافق على خطط لتمديد بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان إلى ما بعد عام 2016، مشيرا الى أن الولايات المتحدة ستبقي 5500 جندي أمريكي هناك عند مغادرته منصبه سنة 2017.
وزارة الخارجية الروسية وفي أول تعليق على قرار الولايات المتحدة إرجاء سحب قواتها من أفغانستان، اعتبرته تأكيدا واضحا على فشل الحملة العسكرية الأمريكية الذريع في هذا البلد.
وقالت: "هذه الخطوة الاضطرارية تأتي شاهدا صارخا على الفشل الذريع الذي لحق بحملة واشنطن العسكرية وحلفائها في أفغانستان والتي امتدت لـ14 عاما. وكما أكدنا غير مرة في السابق، أخفقت الولايات المتحدة خلال هذه المدة بطولها في اجتثاث الإرهاب وخطر المخدرات من أفغانستان، ولم تفلح في إعداد قوات وطنية مسلحة قادرة على القتال وضمان الأمن والاستقرار في هذا البلد".
المراقبون، في محاولات تسويغ الأسباب التي حملت باراك أوباما على تبني قراره المفاجئ هذا، يرون أنه جاء نتيجة حتمية، وردا جيوسياسيا محسوبا على العملية الجوية الروسية في سوريا، وصدى طبيعيا لثبات المواقف الروسية في أوروبا والشرق الأوسط.
روسيا الاتحادية من جهتها، لا تخفي حقيقة أنها تفضل بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان لدعم السلطات الشرعية هناك وتحقيق الأهداف الرئيسية من وراء ما يسمى "بمهمة التحالف الدولي في أفغانستان" بقيادة واشنطن، شريطة أن يصب هذا التواجد في إطار الأمن والاستقرار في آسيا الوسطى وألا يتعارض مع المصالح القومية الروسية.
فبالعودة إلى العام 1979 وإرسال الاتحاد السوفيتي قواته إلى أفغانستان، أكدت موسكو حينها أن الهدف الرئيس من ذلك تقديم الدعم للسلطات الشرعية في هذا البلد، ووأد الإرهاب والتطرف وصد خطر المخدرات التي بدأت تتدفق الى أراضي الاتحاد السوفيتي عبر طاجكستان.
التحالف الدولي بزعامة واشنطن أعلن بدوره قبل إرسال قواته إلى أفغانستان أن الغرض الرئيسي له هناك، القضاء على الإرهاب وإتاحة استقرار الشرعية و"ترسيخ الديمقراطية".
النتيجة كما تراها موسكو، أن وجود الناتو وواشنطن في هذا البلد لم يفرز إلا اتساع رقعة الأراضي المزروعة بالأعشاب المخدرة إلى أضعاف ما كانت عليه بعد انسحاب القوات السوفيتية، وفوضى عارمة غرقت بها أفغانستان، ناهيك عن التنظيمات الإرهابية التي أخذ خطرها يهدد بلدان آسيا الوسطى الأعضاء في رابطة بلدان الدول المستقلة، التي توصف بالحديقة الخلفية لموسكو منذ عهد الإمبراطورية الروسية.
الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة على المخدرات تنشر تقارير دورية وموثقة تورد فيها أرقاما مذهلة تتحدث عن مدى "ازدهار" إنتاج المخدرات في أفغانستان وتعدد طرق إيصالها عبر أراضي آسيا الوسطى ومنها الى الأراضي الروسية قاصدة أوروبا، بعد أن تتبقى كميات كبيرة منها في روسيا، الأمر الذي صار يمثل خطرا بالغا تواجهه السلطات الروسية بكل حزم.
وزارة الداخلية الروسية بدورها تعكف على تدريب الخبراء ورجال الأمن الأفغانيين وتبذل جهودا جبارة في دعم السلطات الأفغانية لتمكينها من مواجهة هذه الآفة المدمرة.
وفي إطار الجهود التي تبذلها البلدان الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وروسيا وطاجكستان، يستمر العمل على حماية الأمن والاستقرار في المنطقة، وأخذت المنظمة في الآونة الأخيرة تحضر لمواجهة التحديات التي قد تبرز بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بينما تركز روسيا على تعزيز قواعدها العسكرية في بلدان المنظمة، وفي مقدمتها قاعدتها في طاجكستان.
وفي آخر المواقف الرسمية الروسية حيال الوضع في أفغانستان والخطط الأمريكية إزاء هذا البلد، شدد الرئيس فلاديمير بوتين في كلمة القاها في مجلس قادة بلدان رابطة الدول المستقلة في كازاخستان الجمعة 16 أكتوبر/تشرين الأول على أهمية التعاون في إطار الرابطة في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات المحتملة. وقال: "لا بد من تعزيز أداء مركز مكافحة الإرهاب المنبثق عن الرابطة، والاستمرار في تنسيق نشاط الاستخبارات وتبادل المعلومات بشكل دائم. من الأهمية بمكان أن نستمر عن كثب في متابعة الأوضاع على الحدود الخارجية للرابطة".
كما لفت بوتين النظر الى ضرورة تأهب الرابطة لصد محاولات الإرهابيين التسلل إلى آسيا الوسطى قادمين من أفغانستان. وأضاف: "الوضع في هذا البلد على وشك أزمة حقيقية، إذ يتعاظم نفوذ الإرهابيين على اختلاف مشاربهم هناك، وهم يشاهرون بخططهم الرامية الى توسيع نفوذهم مستقبلا".
السؤال الذي يتبادر الى أذهان المراقبين، ومن هم على دراية بمواقف البيت الأبيض والتعهدات التي أطلقها باراك أوباما في حملته الانتخابية بسحب عسكرييه من أفغانستان والعراق، كيف سيبرر الرئيس الأمريكي قراره تمديد البقاء العسكري في أفغانستان، في وقت يحذر فيه ووزير دفاعه روسيا من مغبة "أن تغوص في المستنقع السوري"، ويعيد إلى أذهان موسكو "مستنقع أفغانستان"؟ ألا يمكن للولايات المتحدة، وبعد سنوات على عملياتها والناتو في هذا البلد أن تغوص هي الأخرى في أوحال أفغانستان، وتستنزف قواها واقتصادها كما فعل الاتحاد السوفيتي قبلها؟
صفوان أبو حلا