فبعدما شاب هذه العلاقة نوع من الحذر المتبادل في الآونة الأخيرة، بل أيضا على مستوى العمليات العسكرية وأهدافها وتداعياتها.
يضم التشكيل العسكري الجديد الذي أطلق عليه اسم "قوات سوريا الديمقراطية" (التحالف العربي السوري وجيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد وتجمع ألوية الجزيرة" والمجلس العسكري السرياني المسيحي ووحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة).
ويحمل اسم التشكيل الجديد دلالة سياسية، إذ أنه مكون من قوى علمانية تؤمن بالخيار الديمقراطي، وهو العنوان الذي ظلت الولايات المتحدة تبحث عنه طيلة سنوات الأزمة السورية في صفوف المعارضة المسلحة دون أن تجده، بعدما غلب الطابع الإسلامي بشقيه السلفي والجهادي على معظم الفصائل.
لماذا الإعلان عن هذا التشكيل في هذه المرحلة؟ وهل هي صدفة أن يتزامن ذلك مع التغيير الذي أجرته الولايات المتحدة لبرنامجها حول تدريب المعارضة السورية "المعتدلة"؟
بدا من الواضح أن تشكيل الجبهة العسكرية الجديدة مرتبط بتغيير برنامج التدريب الأمريكي، من تدريب المقاتلين إلى تقديم السلاح لفصائل قالت واشنطن إن لديها ثقة فيهم، وقد أعلنت قيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أن الولايات المتحدة ألقت جوا أسلحة في شمال سوريا لمقاتلين من المعارضة يتصدون لتنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد يوم من إعلان التشكيل الجديد.
ومع أن قيادة القوات الأمريكية لم تحدد في بيانها من هي الفصائل التي تلقت السلاح، إلا أنها أشادت بفاعلية المعارك التي تخوضها القوات الكردية السورية والمجموعات العربية لتحرير المناطق الحدودية مع تركيا في شمال شرق البلاد، ما يوحي أن الدعم العسكري الأمريكي موجه إلى القوات العربية والكردية في الشمال، مع عدم التأكد مما إذا كان "جيش الفتح" و "الجيش الحر" في إدلب ضمن هذه المعادلة أم لا.
بدأت الولايات المتحدة بإجراء تغيير جزئي في أجندتها بعيد التدخل العسكري الروسي الذي فرض وقائع جديدة على الأرض، وتحاول واشنطن استباق موسكو بإحراز نصر على "داعش" بغية استثماره سياسيا من جهة، والحيلولة دون خروج أراض من تحت سيطرة تنظيم الدولة لصالح الجيش السوري في المستقبل.
الخطة الأمريكية تهدف إلى الاستيلاء على أجزاء واسعة من الرقة لعزلها عن خطوط الإمداد، لكن دون تسليمها للأكراد وحدهم خشية من غضب تركيا، وجاء التشكيل العسكري الجديد "قوات سوريا الديمقراطية" لتحقيق الأهداف الأمريكية والتركية والكردية والسورية المعارضة، حيث يضم التشكيل الجديد أكثر من عشر مجموعات عربية منضوية تحت اسم "التحالف العربي السوري" الذي تلقى دعما وتدريبا أمريكيا.
يعتبر التشكيل العسكري الجديد فرصة كبيرة للولايات المتحدة لتشكيل نواة قوة عسكرية قادرة على تمييز نفسها عن القوة الأخرى الموجودة على الأرض، وتحقق أهداف عدة:
ـ إزالة حالة الشك والريبة بين المكونات الإثنية في الشمال السوري، إذ يشكل الكيان الجديد خليطا إثنيا واسعا.
ـ تحقيق حالة من التوازن بين الأكراد والأتراك الأعداء اللدودين، فوجود وحدات الحماية الشعبية الكردية ضمن التشكيل الجديد، يمنح الأكراد ثقة قد تجعلهم يميزون أنفسهم عن قوات الحكومة السورية، كما أن وجود قوات وعشائر عربية في التشكيل العسكري، يطمئن أنقرة من أن المنطقة الشمالية من سوريا لن تكون ذات سيطرة كردية خالصة.
ـ إلغاء فكرة الاعتماد على فصائل إسلامية حاولت بعض الأطراف الإقليمية دعمها وتسويقها على أنها قوة معتدلة، مثل حركة "أحرار الشام" التي ما تزال واشنطن تنظر إليها بعين الريبة بسبب علاقتها مع "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
ـ من شأن السيطرة على الرقة إزالة فكرة إقامة المنطقة الآمنة التي تضغط أنقرة على إنشائها، وهنا تتوافق الأهداف الأمريكية والروسية معا.
ومع ذلك تشكل القوة الجديدة امتحانا للولايات المتحدة بعيد فشل برنامج التدريب الأمريكي، ووقوع أسلحة أمريكية بيد "جبهة النصرة"، وهو ما تخشاه روسيا التي أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف قلقها من الخطوة الأمريكية، لا سيما أن جزءا من "قوات سوريا الديمقراطية" سبق له أن تعاون مع تنظيم الدولة.
حسين محمد
- ملاحظة: قراءنا الكرام الآراء الواردة في المقالات التي تنشر على الموقع تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.