يشكل المؤتمر انزياحا عن مؤتمر موسكو الثاني الذي عقد مطلع أبريل/ نيسان الماضي في العاصمة الروسية بحضور هيئة التنسيق الوطني أكبر فصائل المعارضة في الداخل وشخصيات معارضة مقربة من دمشق من جهة ووفد الحكومة الرسمية.
وعلى الرغم من أن القوى المشاركة في "أستانا 2" لم ترفض من حيث المبدأ مقررات مؤتمر "موسكو 2"، إلا أن شخصيات معارضة فضلت عقد اجتماعات للمعارضة السورية في بلد محايد، بعد إصرار وفد الحكومة السورية في "موسكو 2" على عدم مناقشة القضايا السياسية والإصرار على مناقشة سبل مكافحة الإرهاب.
ولذلك جاءت مقررات "أستانا 2" خليطا عاما من المستويين السياسي والعسكري، وعكست موازين القوى المشاركة فيه بين معارضة الداخل والخارج، وقد بدا التأثير الكردي واضحا في نتائج المؤتمر من حيث الدعوة إلى إنشاء فدرالية، الأمر الذي دفع هيئة العمل الوطني الديمقراطي برئاسة محمود مرعي إلى عدم المشاركة في المؤتمر بعدما كانت ركنا أساسيا في "أستانا 1".
يتميز مؤتمر "أستانا 2" في أنه يتموضع خارج الاصطفافات الإقليمية والدولية، حيث شاركت فيه قوى معارضة من الخارج مثل تيار التغيير الوطني السوري المعارض برئاسة عمار القربي وحركة البناء الوطني وحركة المجتمع التعددي برئاسة رندا قسيس، ومن الداخل التيار الوطني السوري وحزب بيدا الكردي والإدارة الذاتية فضلا عن شخصيات مستقلة وأخرى من المجتمع المدني.
لكن تموضع المؤتمر خارج هذه الاصطفافات هو سر ضعفه أيضا، فقد قاطعت القوى المعارضة الفاعلة في الخارج المؤتمر بسبب ما اعتبروه السقف السياسي المنخفض لمطالبه، فضلا عن عدم وجد اهتمام دولي خارج التفاهمات التي تمت بين موسكو وواشنطن، فالأولوية الآن لـ "جنيف 3" أو "موسكو 3".
وقد بدا ذلك واضحا منذ انطلاق اجتماع أستانا الأول، إذ أعلن رياض حداد سفير سوريا لدى روسيا أن دمشق لا تولي أهمية خاصة لما يجري من مشاورات في أستانا بين بعض أطياف المعارضة السورية، وإلى هذا الموقف ذهب ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي إلى دول الشرق الأوسط وإفريقيا، فقد أعلن في 21 مايو / أيار أنه لا يتوقع تحقيق نتائج كبيرة في مشاورات أستانا.
إن عمومية الوثيقة التي خرج بها مؤتمر "أستانا 2" تجعل منه ملتقى عاما غير قادر على تقديم شيء جديد لحل الأزمة السورية، فالوثيقة تتحدث عن انتخابات برلمانية عام 2016، دون الاقتراب من القضايا الإشكالية، كالمرحلة الانتقالية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد، والتواجد الأجنبي داخل سوريا.
لكن ثمة شيئا جديدا جاء به مؤتمر كازخستان ويطرح للمرة الأولى بشكل علني، وهو تشكيل حكومة وطنية جامعة تكريسا للحل السياسي، ومع أن هذا الحل يعتبر مطلبا للحكومة السورية، إلا أن دمشق كانت حريصة على عدم طرحه بشكل رسمي وتركه لمتطلبات التفاوض.
ويبدو من تصريحات المسؤولين السوريين ووسائل الإعلام المقربة منها، وتصريحات المسؤولين الروس، أن الأمور تتجه نحو تشكيل حكومة وحدة من طيف معين من المعارضة، وتأجيل تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة إلى أجل غير مسمى، وهي الصيغة التي تدافع عنها موسكو، وبدت تلقى قبولا أمريكيا دون أن تتحول إلى صيغة نهائية تحدد مستقبل سوريا السياسي.
كما أن الجديد الذي جاء به المؤتمر، هو مطالبته الحكومة الروسية بالتدخل من أجل تخفيف حدة معاناة المدنيين المقيمين في بعض المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية، وذلك ضروري بهدف فتح ممرات إنسانية أمنية ونقل المساعدات الإنسانية الأساسية بما فيها الأغذية والأدوية لهؤلاء الناس فورا.
وتشكل النقطتان الأخيرتان، تطورا مهما على صعيد المعارضة سيما الخارجية من حيث خروجها على خطوط الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي لا يقبل بأي حل سياسي يبقي على الأسد وعلى المؤسستين العسكرية والأمنية.
حسين محمد
ملاحظة:
قراءنا الكرام الآراء الواردة في المقالات التي تنشر على الموقع تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع