ووجدت اللجنة، على سبيل المثال، في الشعبة الخامسة أن ماء غير صالح للشرب والقاعات مزدحمة جدا بما يصل إلى نحو 30 شخصا في القاعة الواحدة، بالإضافة إلى مكوث المعتقلين في التوقيفات منذ أربع سنوات والبعض خمس سنوات من دون صدور أحكام بحقهم حتى الآن.. وأشارت رضا إلى قيام مسؤولين بممارسة أبشع وسائل العنف مع المعتقلين للإدلاء باعترافات تحت التعذيب.
وأوضحت أن بعض مدراء السجون طالبوا بتوفير سجون أخرى لزج المتهمين بها، بدعوى أن السجون الموجودة غير كافية! وأبدت رضا استغرابها لهذا التبرير كون أن سبب عمليات الإرهاب ليس قلة السجون بل انعدام العدالة وعدم توفر فرص العمل، ما يؤدي إلى سلوك البعض طريق العنف. وأضافت أنها وجدت عائلة كاملة من الأب وأبنائه وإخوته داخل التوقيف وبعضهم مقطوع لسانه وهو يعاني صعوبة في الاكل والشرب. ونوهت رضا إلى أن لجنة حقوق الإنسان البرلمانية قدمت تقريرا مفصلا عن ذلك إلى وزارة العدل والداخلية للنظر في هذه المأساة والتوقف عن انتهاك الحقوق المخالف لنص الدستور العراقي.
من جانبها قالت عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بشرى العبيدي أن هذه الانتهاكات مستمرة وشائعة وعلى نطاق واسع، بالاضافة إلى انتشار الفساد بين العاملين في السجون من خلال ابتزاز ذوي السجناء.
إذن، تعذيب السجين وانتهاك حقوقه وذويه بابتزازهم ماليا يقودنا إلى ارتباط إرهاب إدارة المعتقلات بإرهاب داعش والميليشيات خارج السجون كما تقول عضو مفوضية حقوق الإنسان، وكل ذلك مخالف لنص المادة 5 من الدستور العراقي التي تنص على أن السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات ونص المادة 15 التي تنص على أن لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون ونص المادة 19 أولا، والتي تنص على أن القضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير القانون والفقرة السادسة منها والتي تنص على أن لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية. وهذا يعني أن استمرار هذا الإرهاب منذ اقرار الدستور في 2005 أن الدستور في واد ومجريات الواقع في واد اخر والمسافة بينهما تزداد اتساعا.
واستمرار هذا الإرهاب يقودنا إلى البحث عن سر استمراره والإشارة التي وردت في تقرير عضوة مفوضية حقوق الإنسان العرقية بشرى العبيدي أن هناك ارتباط لهذا الإرهاب بفساد ادراي في المنتفذين في إدراة السجون التابعة للداخلية والعدل ولو تتبعنا اكثر لوجدنا ارتباط ذلك بفساد أعم وأشمل ساد العراق منذ أن قوضت منظومة اللادولة العملية السياسية وفرضت قرارها على قرار مؤسسات الدولة منذ 2003.
فبحسب تقارير صادرة عن لجنتي النزاهة والمالية البرلمانيتين وتقارير محلية ودولية تم إهدار ما يقارب من 300 مليار دولار من مجموع موازنات الدولة منذ 2004 لغاية عام 2015 والبالغة 876 مليار دولار رغم وجود 4 جهات رقابية رسمية وهي النزاهة العامة، المفتشية العامة، ديوان الرقابة المالية ولجنة النزاهة البرلمانية وأن العراق مازال منذ 2003 وحتى النصف الأول من العام الجاري يحتل المراتب العليا في مدركات الفساد في العالم، حتى أنه احتل المركز ما قبل الأخير في تصنيف منظمة الشفافية الدولية عام 2007.
ووفق هذا التصنيف فإن العراق احتل المركز 115 من أصل 133 وفي 2004 احتل المركز 129 من أصل 145 دولة وفي 2005 احتل المركز 141 من أصل 159 ليصل في عام 2012 ليحتل المركز 169 من 176 والمركز 171 من 177 في 2013 والمركز 170 من 175 عام 2014، وفي النصف الأول من 2015 تشير المعطيات إلى بقاء العراق في المراكز العليا في مؤشر الفساد العالمي.
هذه المؤشرات المرعبة للإرهاب والفساد تشير إلى أن في العراق ليس فقط دولة فاشلة، بل منظومة "لا دولة" تتحكم بالواقع وتجعل الدستور في واد وواقع حقوق المواطن والدولة في واد اخر وأن الخاسر الأكبر من استمرار ذلك هو المواطن والوطن وأن الرابح الأكبر هم الإرهابيون والفاسدون، ومن دون تغيير منقذ لحياة وحقوق ودستور ووطن ومواطنة، فإن العراق يتجه نحو المجهول.
عمر عبد الستار