وعبر كثير من الناشطين في القوى السياسية والأحزاب والنخب المصرية عن حالة من التفاؤل بمصالحة قريبة بين الدولة والنظام وقوى شبابية وثورية من مختلف التيارات السياسية ممن تم الزج بهم في السجون على خلفية الاعتراض على قانون التظاهر، فضلا عن المشاركة في تظاهرات غير مصرح بها واجهتها الدولة بكل حزم، وأحالت في حينها العشرات إلى المحاكمة التي انتهت بهم خلف القضبان لقضاء عقوبات بالسجن لمدد وصل بعضها 5 سنوات.
تفاؤل القوى السياسية بالمصالحة لشباب الثورة اعتبره البعض بابا مواربا ربما يشمل في المستقبل من لم تتلطخ أيديهم بالدماء، أو ممن لم يتورط في أعمال عنف، وهو ما يتزامن مع إجراء الانتخابات النيابية، المقرر أن تبدأ في 17 أكتوبر/تشرين أول الجاري.
القوى الاسلامية التي غاب أغلبها عن تلك الانتخابات المرتقبة انقسم لعدة تيارات منها ما هو خارج البلاد، وبالتالي فهو خارج الحسابات بالكلية، ويمثل هؤﻻء أحزاب الحرية والعدالة، المنحل، والبناء والتنمية والأصالة والاستقلال والفضيلة والعمل الجديد، والجزء اﻵخر ﻻ يزال موجودا و يحاول أن يستمر في المشهد السياسي.
لكن هؤﻻء الذين تواجدوا حاولوا الدعوة لمقاطعة الانتخابات من خلال تكتل يشمل أحزاب مصر القوية بزعامة عبد المنعم أبو الفتوح، والوسط بزعامة أبو العلا ماضي، المفرج عنه مؤخرا، وحاولوا استقطاب التيار الديمقراطي وقائمة صحوة مصر التي انسحبت من الانتخابات.
وناصرت تلك الدعوات السياسية دعوات أطلقها أحد دعاة فصيل من التيار السلفي يدعى الشيخ أحمد النقيب، واﻷمر في جملته سياسي ودعوي لفظته الكثير من القوى المشاركة في العملية الانتخابية بينها حزب النور السلفي، الممثل اﻷوحد للتيار الاسلامي رسميا في انتخابات مجلس النواب.
وانتقد دعوات المقاطعة أيضا الدكتور أسامة القوصى الداعية السلفي، بل واعتبر تلك الدعوات متطرفة ومتخلفة وضد الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن من يدعون لمقاطعة الانتخابات يخلطون بين الوسائل والعقائد، وأنهم سلفيو العقيدة والأخلاق وسلفيو المنهج وليسوا سلفيي الوسائل.
وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا رئاسيا بالعفو عن 100 شاب وفتاة من المعتقلين في السجون المصرية، وصدرت بحقهم أحكام نهائية في العديد من القضايا ذات الأبعاد السياسية، ما أثار الكثير من ردود الأفعال في الداخل والخارج.
ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض القرار بمثابة وفاء الرئيس السيسي بعهد قطعه على نفسه، خلال لقائه بشباب الإعلاميين فى ديسمبر من العام الماضي، وجزء من محاولاته للاقتراب من الشباب المصري، اعتبره البعض الآخر محاولة من الرئيس المصري لمداعبة الرأي العام العالمي، والساسة في الغرب، قبل ساعات من خطاب مهم له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الإفراج عن نشطاء سياسيين اعتقلوا لخرقهم قانون التظاهر
قرار الرئيس السيسي صدر كجزء من إجراء معتاد في مصر قبيل احتفالات عيد الأضحى بالعفو عن معتقلين ممن أمضوا نسبة كبيرة من مدد اعتقالهم في مختلف القضايا، وشمل هذا القرار العفو عن قائمة خاصة بـ 100 شاب وفتاة، ممن صدر بحقهم أحكام نهائية، ففي قضايا إختراق قانون التظاهر في محيط قصر الاتحادية، ومحيط مجلس الوزراء تم الإفراج عن 51 شاب وفتاة أبرزهم سناء سيف ويارا سلام، الشاعر والناشط الشاب عمر حاذق، وهاني الجمل وبيتر جلال يوسف، وفي قضية خلية الماريوت جرى الإفراج عن صحفيين بقناة الجزيرة القطرية، هما محمد فهمي، وباهر محمد واللذيين يقضيان حكما صدر بحقهما بالسجن مؤخرا لثلاثة سنوات.
صباحي وسعد الدين إبراهيم يدعوان السيسي لخطوات مكملة
قرار العفو الرئاسي صحبته موجة من الاستحسان بشكل عام في الأوساط السياسية في مصر، حيث اعتبر زعيم التيار الديمقراطي والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي القرار صائبا وفي وقته المناسب، داعيا الرئيس السيسي بسرعة الإفراج عن كل سجناء الرأي، ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء أو حملوا السلاح أو أرهبوا المواطنين الآمنين أو خربوا البلاد، وكذلك كانت وجهة نظر سعد الدين إبراهيم، مدير مركز بن خلدون، الذى اعتبر قرار الرئيس جيدا، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، خاصة وأن شباب الثورة الذي يدين له كل من في السلطة الآن بوجوده في السلطة، تم إطلاق سراحهم، داعيا لضرورة أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى مشابهة لها.
أحزاب مصرية تعتبر العفو الرئاسي بداية صفحة جديدة مع الشباب
أما الأحزاب السياسية فتنوعت ردود أفعالها ما بين الإشادة الكاملة، والثناء على قرار الرئيس وهذا يمثل غالب الأحزاب حيث أشاد حزب الوفد، أقدم الأحزاب المصرية، في بيان على لسان مساعد رئيس الحزب، المستشار ياسر الهضيبي.
كما اعتبر رئيس حزب الجيل، ناجى الشهابي، القرار "رسالة سلام للإعلام الغربي"... هكذا وصف ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل، قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي، مشيرا إلى أن السيسي يحاول بتلك الخطوة أن يفتح صفحة جديدة مع الشباب، وأن كل الشباب المتحمس الذي تظاهر فقط ضد قانون التظاهر ولم يهدف لتخريب البلاد يتم الإفراج عنه.
- برنامج لتأهيل الشباب للقيادة
لعل الملفت للانتباه أن قرار السيسي مشمول بمجموعة من الحيثيات أبرزها تزامنه مع إطلاقه برنامجا لتأهيل الشباب، دشنه الرئيس المصري خلال الأسبوع الماضي، حيث يشتمل البرنامج على 7 دورات في التثقيف السياسي، والاقتصادي، والمالي، والإعلامي، والعلوم الإدارية، والبروتوكولات، وقياس الرأي العام، وهو البرنامج الذي يستهدف إعداد قاعدة بيانات لدى الرئيس ورئاسة الجمهورية من آلاف الكفاءات في مختلف القطاعات، لاختيار المناسب منهم في المناصب القيادية مستقبلا، ويحصل المتخرجين على شهادة أكاديمية محترفة بعد اجتيازهم المراحل المختلفة للبرنامج، التي تتضمن ثلاثة محاور رئيسية هي "علوم سياسية واستراتيجية، علوم إدارية وفن القيادة، علوم اجتماعية وإنسانية".
لقاءات شبابية مهدت للعفو الرئاسي
كما سبق قرار العفو الرئاسي مجموعة خطوات من بينها لقاء السيسي مع شباب الإعلاميين، اذ يعد قرار العفو أحد ثمراتها، فضلا عن اهتمامه بالمشاركة الأسبوع الماضي في أسبوع شباب الجامعات والمعاهد المصرية العاشر بجامعة قناة السويس في الإسماعيلية، وعقده حوارا مفتوحا مع الشباب فضلا عن العديد من اللقاءات البينية في فعاليات من بينها افتتاح قناة السويس، والمؤتمر الاقتصادي
رسائل العفو الرئاسي
يعتبر بعض المراقبين أن العفو الرئاسي، في رسائله الداخلية، يفتح صفحة جديدة مع شباب الثورة المصرية، وجزء من تمكين شباب مصر من النهوض بدورهم في مساعي بناء الدولة المصرية الناهضة، معتبرين إياه ملمحا جديدا لنهج ربما يمثل تعبيرا عن قناعات النظام المصري القائم، والرئيس السيسي نفسه، بأن مصر للجميع، وأنه طالما أن المعارضين لا يمارسون عنفا أو إرهابا أو جرما في حق المجتمع يعرض أمنه لتكدير أو انتهاك.
وفي رسائله الخارجية، يريد الرئيس المصري أن يثبت للعالم، لا سيما في خطابه أمام باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن مصر قادرة على المصالحة الوطنية.
إيهاب نافع