وعلى الرغم من أهمية هذا الاتفاق وانعكاسه إيجابيا على اللاجئين سيما السوريين الموجودين في اليونان وإيطاليا ومقدونية والمجر وكرواتيا، يتجه الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول جادة للتخفيف من تزايد معدلات اللجوء إلى القارة.
ويمكن وضع هذه الحلول ضمن مستويات ثلاثة:
ـ إقامة مراكز تسجيل اللاجئين في اليونان وإيطاليا مقصد اللاجئين للوصول إلى الدول الأوروبية المتقدمة، للتمييز بين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية، ومن ثبت أنه هاجر لأسباب اقتصادية سيضطر للعودة إلى المكان الذي جاء منه أو العودة إلى بلده، ومن شأن هذه الخطوة أن تخفف من حدة الهجرة، حيث أن الجزء الأكبر من المهاجرين السوريين يهاجرون لأسباب اقتصادية، سواء من هاجر من داخل سوريا أو من دول الجوار.
ـ تقديم الدعم المالي المناسب لدول الجوار، خصوصا تركيا ولبنان والأردن لرفع مستوى الخدمات المعيشية للاجئين السوريين، حيث وصلت المستويات المعيشية للاجئين في لبنان والأردن إلى مستويات متدنية.
ويأمل الاتحاد الأوروبي أن تساهم المساعدات المالية (مليار يورو) في بقاء المهاجرين داخل هذه البلدان، على الرغم من المعاملة السيئة التي يلاقيها اللاجئون السوريون في لبنان أولا ثم الأردن ثانيا.
ـ البحث عن حل سياسي لجذر الأزمة السورية، وقد شهدت دول الاتحاد تغيرات في مواقفها السياسية خلال الأسبوعين الماضيين، وكان آخرها ما أعلنته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمام البرلمان من ضرورة مشاركة الأسد في أي محادثات تهدف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من أربع سنوات.
ويسعى الألمان كما بعض الدول الأوروبية إلى اعتبار الأسد جزءا ضروريا من المفاوضات التي ترمي إلى إنهاء الأزمة، لا سيما ذلك الجزء المتعلق بمحاربة الإرهاب، وضرورة إشراك إيران والسعودية في هذه المفاوضات، في توافق واضح مع موسكو التي طالما أكدت على ضرورة إشراك القوى الإقليمية الفاعلة في مكافحة الإرهاب.
واللافت في تصريحات ميركل هو عدم دخولها في تفاصيل الموقف الألماني من طبيعة التسوية السياسية، واكتفت فقط بضرورة إشراك الأسد في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الأزمة، ما يعني أن الألمان يرفضون اختزال دور الأسد في محاربة تنظيم "داعش" فقط، وإنما يتجاوز ذلك إلى البحث في سبل إنهاء الأزمة السورية برمتها، وما تطلب ذلك من البحث في مستقبل الأسد نفسه.
لكن يمكن وضع التصريح الألماني في سياق آخر، حيث يمكن اعتباره مقدمة لإقناع الرأي العام المحلي بضرورة تغيير الموقف الألماني بشكل كبير من طبيعة الحل في سوريا ودور الأسد.
وربما تأتي تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كرد فعل على التصريحات الألمانية، حيث قال: "لا مكان للرئيس السوري الحالي في سوريا المستقبلية"، في محاولة لتذكير المستشارة الألمانية والدول الأوروبية الأخرى بحدود الانزلاق الأوروبي من طبيعة التسوية ومصير الأسد.
وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أكثر صراحة من نظرائه الأوروبيين، إذ أكد في مقابلة لصحيفة "لو فيغارو" قبل يومين أن "بلاده لن تطالب برحيل رأس النظام بشار الأسد كشرط مسبق لمحادثات السلام، لكن الحل الدبلوماسي يتطلب إنشاء حكومة وحدة وطنية لتجنب تكرار الانهيار الذي حدث في العراق".
وبغض النظر عن التباينات البسيطة في المواقف الأوروبية حيال التعاطي مع الأزمة السورية، تبدو القارة الأوروبية بمجملها متفقة على إنضاج حل سياسي يتوازى مع محاربة الإرهاب، دون الدخول في تجاذبات دولية وإقليمية من شأنها أن تؤزم الصراع أكثر مما هو عليه.
وهذا ما يفسر تصريح رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من أن الاتحاد يرفض المنطقة الآمنة التي تقترحها تركيا على مساحة ثمانين كيلو متر مع وجود أوروبي وأمريكي وسيطرة عسكرية، ومنطقة حظر جوى، ووجود على الأرض.
ويجمل تصريح توسك تجاه المنطقة الآمنة التي تقترحها تركيا، دلالة سياسية واضحة، حيث جاء غداة القمة الأوروبية الاستثنائية المخصصة لبحث أزمة اللاجئين، وكأن أوروبا تبعث برسالة لأنقرة بأن حل أزمة اللاجئين يتطلب تعاونا بين الجانبين خارج المخططات التركية الأحادية الجانب.