ووجهت سارة حشاش المسؤولة الصحفية بالبرنامج الإعلامي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية لقطر والكويت والبحرين والسعودية والإمارات انتقادات لأنها لم تستقبل رسميا أي لاجئين.
في أجواء تدفق آلاف اللاجئين السوريين على أوروبا عبر تركيا واليونان وانطلاقا من ليبيا نحو إيطاليا، ظهرت تصريحات في مختلف الأوساط تنتقد عدم فتح دول الخليج الغنية حدودها أمام هؤلاء، وتبدى امتعاضها من أن يجد اللاجئون السوريون مأوى لدى الغرباء في أوروبا فيما توصد الأبواب في وجوههم من "أشقائهم" القريبين الميسورين.
بطبيعة الحال، تبدو صورة تدفق اللاجئين السوريين غربا نحو الدول الأوروبية وبخاصة ألمانيا وانقطاع طرق هؤلاء بشكل تام "شرقا" نحو دول الخليج غريبا ولافتا، ولا ينسجم مع الأواصر التي تربط شعوب المنطقة ناهيك عن القرب الجغرافي.
والجدير بالذكر أن السعودية تستضيف ومنذ وقت طويل أكثر من نصف مليون سوري على أراضيها، والإمارات أكثر من 150 ألف سوري يعشون ويعملون منذ سنوات في البلدين، فلماذا تبقى أبواب دول الخليج موصدة في هذا الظرف العصيب؟ ولماذا يصل نحو 350 ألف لاجئ سوري إلى القارة الأوروبية العام الجاري، ولا يصل لاجئ واحد إلى الخليج؟
وكانت دول الخليج التي دعم معظمها ولا يزال انتفاضات ما يسمى بالربيع العربي وخاصة في ليبيا وفي مصر وفي سوريا، وقدّمت المال والسلاح للثائرين ضد حكوماتهم قد شددت من إجراءاتها حيال اللاجئين من بعض الدول العربية ومن بينها سوريا خوفا من انتقال "العدوى" إليها.
وعلى الرغم من تعالي أصوات بعض المثقفين الخليجيين في مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بأن تفتح بلدانهم أبوابها أمام اللاجئين لاعتبارات قومية وثقافية ودينية وإنسانية، إلا أن أصواتا أخرى حاولت تبرير عدم استضافة دول الخليج للاجئين السوريين بذرائع وحجج مختلفة.
وفسّر من قطر عبد الله العذبة رئيس تحرير صحيفة "العرب" موقف بلاده تجاه هذه الأزمة الإنسانية بالقول إن: " قطر بلد صغير يقدم تبرعات للاجئين في الأردن وتركيا وشمال العراق"، مضيفا أن بلاده لا تستطيع، لأسباب وصفها باللوجستية، أن تقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين ولذلك تفضل تقديم دعم مالي.
أما الإمارات، فأجمل أستاذ العلوم السياسية عبد الخالق عبد الله ظروف بلاده المانعة لاستقبال اللاجئين في تساؤل يقول إن: "أعداد الأجانب كاسحة هنا لدينا 90% فهل تريد أن تحول السكان المحليين إلى أقليات في بلادهم؟ هم بالفعل كذلك"، وهو يشير إلى الأعداد الكبيرة من الأيدي العاملة في بلاده ومعظمها من دول جنوب شرق آسيا.
وذهب البعض بعيدا في محاولة الدفاع عن موقف دول المنطقة الراهن من أزمة اللاجئين السوريين، حيث رأى المحلل السياسي الكويتي الدكتور فهد الشليمي أن اللاجئين السوريين يعانون من "مشاكل عصبية ونفسية" وأنهم من "بيئة أخرى مختلفة"، مضيفا أيضا أن تكلفة المعيشة في الكويت تتطلب أموالا من اللاجئين أكثر من دول أخرى!.
الصحافة الأوروبية بدورها وجهت انتقادات حادة للدول الخليجية لعدم استقبالها لاجئين سوريين، وأشارت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إلى أن جميع دول هذه المنطقة لم توقع على اتفاقية اللاجئين لعام، 1951 بل إنها لم توقع أي اتفاقية رئيسة خاصة باللاجئين.
وهاجم الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك بشدة دولا خليجية، وتساءل في مقال نشر في صحيفة "الاندبندنت" البريطانيةعن سر حرص كثير من السوريين على اللجوء إلى القارة الأوروبية، بدلاً من التوجه إلى دول الخليج الغنية، رغم أن كثيرين منهم ينظرون إلينا كـ"كفار؟".
ورأى فيسك أن اللاجئين السوريين يتوجهون إلى أوروبا لأنهم يعرفون أن "فكرة الإنسانية لا تزال حية في أوروبا"، مهاجما السعودية في معرض توضيح موقفه بالقول إن "اللاجئين لا يقتحمون شواطئ مدينة جدة على البحر الأحمر، مطالبين باللجوء والحرية في البلد الذي دعم طالبان وخرج منه أسامة بن لادن".
ورد الإعلامي والصحفي السعودي داود الشريان على روبرت فيسك بالإعلان عن أن بلاده استقبلت منذ بدء الأزمة السورية أكثر من 1000000 لاجئ سوري فيما تتحدث أوروبا عن بضعة آلاف!، مشيرا إلى أن السعودية تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين على مستوى العالم، وأنها سهلت إجراءات دخولهم وإقامتهم، وسمحت بقبول 100 ألف طالب من أبنائهم في الجامعات السعودية، وهي أكبر داعم لمخيمات اللاجئين السوريين في لبنان والأردن، بحسب الشريان.
ونفى الإعلامي السعودي أن تكون بلاده فرضت قيودا أو شددت من إجراءاتها تجاه اللاجئين السوريين، مشددا على أن الرياض لم تصدر بيانات بشأن كل ذلك "لأنها لا ترى في هذه القضية مجالا للكسب السياسي"، فيما اتهم الشريان الدول الغربية بالسعي إلى كسب الرأي العام العالمي باستضافة بضعة آلاف!.
تزداد أزمة اللاجئين السوريين وجموعهم المتدفقة على أوروبا تفاعلا على مختلف الصعد بما في ذلك الجدل الدائر بشأن البوابة الخليجية المغلقة أمام اللاجئين السوريين رسميا.
ويمكن القول إن اللاجئين السوريين يخاطرون بحياتهم وذويهم للوصول إلى الشواطئ الأوروبية، وأنهم يتسللون إلى الدول الأوروبية ويرتبون أوضاعهم. وهم يفعلون كل ذلك بمفردهم ولم تذهب إليهم الدول الأوروبية ولم تدعهم إليها.
واللاجئون بالمثل لا يقطعون المفازات والفيافي نحو الحدود السعودية باتجاه دول الخليج الأخرى، وهم لم يركبوا البحر الأحمر للوصول إلى صحراء الربع الخالي، لأسباب كثيرة أهمها أن أوروبا بديل متاح وهي جنة موعودة بالنسبة لهم ولأبنائهم أكثر من غيرها.
محمد الطاهر