تعالت أصوات ساسة أوروبيين في الأشهر الماضية، متمردة على الخطاب العدائي السائد في الغرب تجاه روسيا. آخر هذه التصريحات المحذرة من مثل هذا التوجه صدر عن رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي الذي انتقد الثلاثاء فكرة بناء أوروبا ضد روسيا، ووصفها بأنها ستكون خطأ مأساويا.
رئيس الحكومة الإيطالية أشار بوضوح إلى أن هذه الفكرة تقف وراءها دول حديثة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ملمحا بذلك إلى دول في أوروبا الشرقية.
هذا الموقف صرّح به رينزي بوضوح أكثر خلال زيارته إلى موسكو في يوليو الماضي حين تحدث عن وجود "توجه من جانب شرق أوروبا لرؤية أوروبا على أنها حصن ضد روسيا"، ووصف ذلك بأنه "رؤية مضللة".
مثل هذا الموقف الرافض لتصعيد التوتر مع روسيا ونقل العلاقة معها إلى ميدان المواجهة ليس يتيما، إذ عبر عنه أيضا في أكثر من مناسبة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير.
شتاينماير أعلن الاثنين خلال المؤتمر السنوي للسفراء الألمان في الخارج أنه يعتزم بذل جهود لتحسين العلاقات مع روسيا، مشددا على ضرورة إشراك موسكو من جديد في النظام الدولي بمعزل عن النزاع الأوكراني.
رئيس الدبلوماسية الألمانية أكد في هذه المناسبة أنه في نهاية المطاف لا يمكن أن يكون هناك نظام أمن أوروبي من دون إشراك روسيا.
شتاينماير انتقد في تصريح أدلى به في يونيو الماضي محاولات أطراف دولية عزل روسيا وبخاصة استثناءها من مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع، مشيرا إلى الحاجة الماسة للجهود الروسية لتسوية الصراعات المزمنة في أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط.
موسكو بدورها، أكدت مرارا على وحدة الأمن الأوروبي داعية إلى تعزيزه بمختلف السبل، وعدم الانسياق مع محاولات بعض الأطراف دق إسفين العداوة بين الجانبين.
وكان لرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال بوضوح في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة "RTS" السويسرية في يوليو إن بلاده لا مصلحة لها في السعي إلى المواجهة مع أي دولة، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن موسكو لن تتوانى عن الدفاع عن مصالحها إذا اضطرت إلى ذلك.
بوتين عبّر في هذه المقابلة التلفزيونية عن أمله في أن يبتعد شبح الحرب عن أوروبا، وأن تتصرف القارة بقدر أكبر من الاستقلالية والسيادة، منتقدا هذا الوضع بقوله: "حين نجد أنفسنا مضطرين إلى التوجه إلى واشنطن من أجل مناقشة الأمور مع شركائنا الأوروبيين، فإن ذلك أمر مستغرب بعض الشيء".
ولم يقف الرئيس الروسي عند هذا الحد، إذ صرح من دون مواربة بأن الولايات المتحدة تقف وراء الكثير من الأزمات التي تعاني منها أوروبا، مشيرا، على سبيل المثال، إلى تدفق المهاجرين غير الشرعيين على دولها، حيث أكد أن هذه الأزمة وأخرى عديدة مصدرها قرارات اتُخذت من وراء الأطلسي وأوروبا تدفع ثمنها وتعاني من تبعاتها.
وما يزيد من خطورة الوضع في أوروبا، أن الولايات المتحدة لا تعمل فقط على تصعيد التوتر السياسي والاقتصادي بين دول هذه المنطقة الحيوية التي يمكن وصفها بأنها قلب العالم، وروسيا امتدادها الطبيعي، بل هي تعمل جاهدة أيضا على تحويل القارة إلى ترسانة من البارود من خلال مناوراتها قرب الحدود الروسية وحشد معداتها وأحدث أسلحتها هناك.
واشنطن أعلنت مؤخرا في هذا الصدد أنها ستنشر "قريبا جدا" في أوروبا مقاتلاتها من طراز"F-22 Raptor"، وهي من فئة طائرات الشبح، الخفية عن الرادار، متذرعة بأن خطوتها هذه مبادرة "لدعم الأوروبيين"، ما يشير إلى أنها ماضية قدما في نهج تأجيج التوتر في القارة، وإحياء العداوات القديمة بين شعوبها في مجازفة غير محسوبة العواقب باستقرار المنطقة وأمنها الذي دفعت شعوبها ثمنا باهظا لأجله في الحرب العالمية الثانية وبخاصة روسيا ودول الاتحاد السوفييتي الأخرى.
محمد الطاهر