كل ذلك في سعي لأمان غيبته حروب ونزاعات تجتاح دول المنطقة، خاصة سوريا والعراق.
فبعيدا عن تبادل الاتهامات وحسابات الساسة والقوى الإقليمية والدولية ومصالح البعيد من تلك الدول والقريب منها، دقت الأمم المتحدة ناقوس خطر بات يهدد حياة آلاف اللاجئين ومستقبلهم، من دون إغفال تداعيات محتملة على بلدان الاستقبال، في حين تشير الإحصاءات إلى وصول ما لا يقل عن 107 آلاف لاجئ حدود الاتحاد الأوروبي خلال شهر يوليو/ تموز الماضي فقط.
اليونان، ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها، باتت تعد وبحسب المعطيات الوجهة الأولى للاجئين بشكل عام والسوريين بشكل خاص، حيث يتم استعمالها بلد عبور نحو دول أوربية أخرى، وبلغت بالتالي أعداد الذين وصلوا إلى جزرها ("ليسبوس" و"كويس" و"ساموس" و"كوس") خلال الأسبوع الماضي نحو 21 ألفا، اقترب من مستوى عددهم خلال ستة أشهر من عام 2014، الذي وصل فيه أكثر من 43 ألف مهاجر البلاد، في حين اضطرت الحكومة اليونانية إلى طلب مساعدات عاجلة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتعامل مع الوضع الراهن.
وفيما تتقاطر آلاف طلبات اللجوء إلى عدد من دول الاتحاد الأوروبي، كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن أن عدد تلك الطلبات من قبل السوريين وحدهم، بلغ 311 ألفا ما بين أبريل نيسان عام 2011 وحتى يونيو حزيران من هذا العام.
وتتصدر ألمانيا قائمة الدول المرغوب في اللجوء إليها، متبوعة بالسويد ثم النمسا وهولندا فالدانمارك، وجاءت دول مثل بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا في ذيل القائمة.
تفضيل اللاجئين دولا أوروبية على حساب أخرى، له أسباب اقتصادية واجتماعية وقانونية.. على الرغم من أن قوانين الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي متشابهة إلى حد بعيد، غير أن إمكانيات الدول تتفاوت، كما أن هناك دولا مثل ألمانيا أو السويد تقدم تسهيلات كبيرة لطالبي اللجوء مما يسرع حصولهم على أوراق الإقامة وبالتالي إيجاد فرص عمل بعد أخذ دورات مجانية لتعلم اللغة، وغيرها الكثير من الامتيازات.
تفاوت أعداد اللاجئين من بلد أوروبي لآخر وكذلك أعداد طلبات اللجوء، أمور خلقت خلافات بين الأوربيين خاصة حول حصص المهاجرين المراد لكل بلد استيعابها، فقد خلق توافد ألفي مهاجر إلى مدينة كالي الفرنسية كمحطة انتظار قبل عبور النفق الذي يربطها بالأراضي البريطانية، خلق خلافات بين باريس ولندن فيما طلبت شركة "يوروتانل" للقطارات بتعويض من قبل حكومتي البلدين عن خسائر تسبب بها المهاجرون جراء تعطيلهم حركة القطارات.. مما دفع وزير الداخلية الفرنسي "بيرنار كازانوف" لزيارة لندن ولقاء نظيرته البريطانية "تيريزا ماي" قبل لقاءات مع نظراء أوروبيين آخرين، في مسعى لإيجاد حلول تبدو بعيدة في الوقت الراهن، مع تمسك بعض الحكومات بإجراءاتها الصارمة في استقبال المهاجرين.
وبين حسابات الأوروبيين وتباطؤ خطى المجتمع الدولي في تقديم حلول جذرية لهذه الظاهرة، تتواصل معاناة عشرات آلاف المهاجرين، ممن أسعفهم الحظ بالعبور إلى الضفة المقابلة، في أنفاق ومحطات وموانئ أوروبا، في انتظار فرج قد يطول انتظاره..
"يا أيها الناس، أين المفرّ؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام.."، من يرى منا الصور التي تغص بها مواقع التواصل الاجتماعي والتي تنقل لنا بعضا مما يعانيه المهاجرون عبر البحر المتوسط، يستحضر بعضا من الكلمات التي استهل بها القائد طارق بن زياد خطبته الشهيرة عند فتح الأندلس في القرن الثامن الميلادي، رغم اختلاف الزمان والمعطيات والظروف المحيطة، وإن جاز عكس بعضها على واقع اللاجئين، بوجود واقع مجهول امامهم، وبحر من ورائهم يتساهل أحيانا وأحايين يبتلع أجسادهم في صمت.