أسفر اليوم الأول من لقاء وزراء دفاع حلف الناتو في بروكسل عن زيادة تعداد قوات الرد السريع للحلف من 13 ألفا إلى 40 ألف جندي، وتوسيع صلاحيات القيادة العامة لقواتها المتحدة في أوروبا، وكذلك إنشاء هيئات أركان في 6 دول شرق أوروبا (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا ورومانيا وبولندا وبلغاريا)، بل وأعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي أن الولايات المتحدة قد تنشر قوات إضافية، تشمل قوات برية، للناتو إذا تجاوزت الأزمات قدراته.
غير أن الأخطر في الحملة الأمريكية – الأوروأطلسية الحالية، هو إصرار واشنطن على "شيطنة" روسيا، فخلال وجوده في برلين، عشية لقاء بروكسل، أدلى آشتون كارتر بأحد أهم وأخطر التصريحات، قائلا "إن روسيا تسعى لتدمير حلف الناتو"، كما وجه إدانات صريحة إلى "تلويح موسكو بالسلاح" المتمثل تحديدا في خططها لتعزيز ترسانتها النووية، وعن تعهد الولايات المتحدة باتخاذ الخطوات اللازمة لردع روسيا، صرح أن "العقوبات الأمريكية والأوروبية تعد الوسيلة الأفضل ضد موسكو.
وفي الوقت الذي ذكر فيه وزير الدفاع الأمريكي أن الولايات المتحدة ستواصل تعاونها مع روسيا في مفاوضات السداسية الدولية مع إيران بشأن ملفها النووي، وفي مجال مكافحة الإرهاب، دعا كارتر ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها العسكري بما يلبي احتياجات الناتو، مشيرا إلى أن حوالي 70% من تكاليف الدفاع في الحلف تقع حاليا على كاهل الولايات المتحدة، وقال إن على الحلف أن يكون قادرا على أداء عدة مهام دفعة واحدة، لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تحل المشكلات في أوروبا وحدها.
وفي أول تصريحاته في مستهل جولته الأوروبية، شدد وزير الدفاع الأمريكي على أن واشنطن تنوي أن تسلك في هذه الفترة نهجا قويا ومتزنا في العلاقة مع روسيا، وأن الخلافات الحادة مع موسكو لها طابع طويل الأمد، هذا التصريح يأتي على نفس طريق دعوة "صقور" الكونغرس والبنتاغون الدول الأوروبية لزيادة ميزانيات الدفاع "من أجل مواجهة الغزو الروسي لأوروبا"، وهو أيضا ما دعا إليه الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أكثر من مرة.
على الرغم من محاولات واشنطن وقيادة الناتو خداع الرأي العام الدولي عموما، والأوروبي تحديدا، بتصريحات من قبيل أن العلاقات مع روسيا لا تزال موجودة، وأنهما تتوخيان علاقات متوازنة، إلا أن كل المؤشرات تعكس رغبة الولايات المتحدة وحلفها الأوروأطلسي في إحكام السيطرة على كل مفاصل السياسة الدولية، والقيام بالدور الأساسي في توزيع المصالح، فالتقارير السياسية لا تزال تشير إلى أن الطرف الغربي بتحركاته هذه وحملاته السياسية والإعلامية يتجه إلى النظر في سيناريوهات "حرب باردة" جديدة للتعامل مع ما يزعم أنه تهديدات من نوع جديد يرى أنها "تنجم عن روسيا شرقا، ومن تنظيم داعش جنوبا"، وهو ما يصفه المراقبون بمكمن الخطر في التوجهات الأمريكية – الأطلسية حيث تجري المساواة بين روسيا من جهة، وبين المخاطر والتهديدات التي يمثلها الإرهاب من جهة أخرى.
المسألة لا تقتصر على ذلك، بل تمتد إلى وضع إيران ضمن الخطرين المذكورين سابقا، على الرغم من سير المفاوضات بين السداسية وطهران بشكل يرى الجميع أنه غير سيئ، فقد أعلنت واشنطن أن التوصل المحتمل إلى اتفاق شامل بشأن الملف النووي الإيراني لن ينعكس بشكل من الأشكال على الخطط الأمريكية لإقامة منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا، وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المراقبة على الأسلحة والأمن الدولي روز غوتيمولر إن "الولايات المتحدة لم تقل أبدا إن تسوية الملف النووي الإيراني ستجعل نشر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا أمرا زائدا عن اللزوم أو لا فائدة منه.. وإنما كنا نعلن أنه إذا توصلت الولايات المتحدة مع شركائها في اللجنة السداسية إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، وإذا قامت إيران بتنفيذه، فسنستطيع أن نعزل بذلك أحد أكبر التهديدات المحدقة بأمننا".
المسؤولة الأمريكية، قالت "إننا لا نزال نشعر بقلق من البرنامج الإيراني الخاص بتصميم الصواريخ الباليستية. وكان الرئيس باراك أوباما أشار بوضوح إلى أن نجاح تسوية البرنامج النووي الإيراني لن يلغي الحاجة إلى إقامة منظومة الدرع الصاروخية وأن الولايات المتحدة ستواصل التمسك بضمان أمن حلفائها في ظل احتمال تجلي تهديدات صاروخية من قبل إيران والقوى الموالية لها في المنطقة". وأشارت إلى أن بلادها ستواصل في اتخاذ خطوات من شأنها الحيلولة دون تطوير البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية، بما في ذلك من خلال مبادرات إقليمية في مجال الأمن وتطوير منظومة الدرع الصاروخية وعن طريق فرض عقوبات، ومراقبة الصادرات ونظام مراقبة التكنولوجيا الصاروخية التي تشارك فيه 34 دولة.
وعلى الرغم من كل الاستعدادات العسكرية الجديدة التي تتخذها الولايات المتحدة والدول الأعضاء في حلف الناتو، وإصرار واشنطن على نشر الدرع الصاروخية، والتلويح بالمزيد من العزلة على روسيا، ذكرت غوتيمولر أن البرامج الأمريكية الخاصة بنشر الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا غير موجهة ضد روسيا ولا يمكن أن تشكل خطرا على القوات النووية الاستراتيجية الروسية. وفيما يتعلق باحتمال توريد موسكو منظومات صواريخ "إس-300" لطهران، قالت غوتيمولر "لقد قدمنا منذ عدة أعوام وبكل وضوح اعتراضاتنا على بيع هذه المنظومات وغيرها من وسائل الدفاع الحديثة من هذا النوع لإيران، ولا تزال هذه الاعتراضات قائمة".
إن حملة بث الرعب في الدول الأوروبية تسفر إلى الآن عن "حرب استقطاب" و"تصفية حسابات وهمية". إذ أكد وزير الدفاع الإستوني سوين ميكسر خلال لقائه مع آشتون كارتر، إن بلاده مستعدة لتوفير ظروف مناسبة لنشر الأسلحة والمعدات على أراضي إستونيا. بينما أكد وزير الدفاع الليتواني يوزاس أوليكاس على أنهم يقومون بتحديث وتوسيع الميادين لتصبح الوحدات العسكرية الليتوانية قادرة على استقبال المعدات التي من المخطط نشرها في ليتوانيا. وفي الوقت الذي كانت تجري فيه مباحثات آشتون كارتر مع وزراء دفاع دول البلطيق، رست سفينة "سان أنتونيا" للإنزال التابعة للقوات البحرية الأمريكية في ميناء تالين (عاصمة أستونيا).
من الواضح أن الغرب يتعمد تضليل مواطنيه بحجب المعلومات، والتعتيم على تصريحات القادة والمسؤولين الروس. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح في مطلع يونيو/حزيران الحالي، عشية زيارته إلى إيطاليا، بأنه يرى "أن الشخص المريض فقط هو الذي بوسعه تصور أن روسيا يمكن أن تهاجم الناتو"، مشيرا إلى التلاعب بمثل هذه المخاوف من روسيا في بعض الدول.
ومن جانبه نفى رئيس الديوان الرئاسي الروسي سيرغي إيفانوف بشدة مزاعم عن وجود تهديد من قبل روسيا لدول البلطيق، واصفا إياها بـ"هوس مرضي" لا أساس له. وأوضح أن الهدف من هذه التصريحات ليس سوى محاولة هذه الدول الحصول على تمويل إضافي من قبل الناتو. وشدد إيفانوف على أن روسيا ليست "دولة انتحارية" كي تفكر جديا في شن هجوم على حلف الناتو.
ومع كل تلك التطمينات، فقد أعلنت رئيسة الوزراء البولندية إيفا كوباتش الخميس 25 يونيو/ حزيران الحالي أن نشر الأسلحة الأمريكية الثقيلة في بولندا يعتبر أفضل رد على ما يحدث في أوكرانيا. بينما وافقت رومانيا على إقامة قاعدتين عسكريتين لحلف الناتو على أراضيها، وتجرى واشنطن وقيادة الناتو حاليا محادثات لإقامة أكثر من قاعدة عسكرية في دول البلطيق.
كل هذه الاستفزازات، ومحاولات عسكرة أوروبا، استدعت تصريحا عاجلا من نيقولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي الذي أعلن أن روسيا سوف ترد بشكل متكافئ على خطط الناتو وذلك بزيادة عدد قوات الرد السريع. بينما كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس 25 يونيو/حزيران الحالي تصريحاته الشفافة تجاه الدول الأوروبية، نافيا بشدة وجود أي خطط عدائية لدى روسيا تجاه أي دولة، ومؤكدا في الوقت نفسه على أن روسيا دولة منفتحة على العالم تسعى إلى تعزيز التعاون والشراكة مع كل من يبدي استعداده لذلك.
أشرف الصباغ