برناردينو ليون ربط استمرار الأزمة في ليبيا بصراع الحكومتين المتنافستين على السلطة والتي تعمل إحداهما في طبرق برئاسة عبد الله الثني وهي المعترف بها دوليا، والأخرى في طرابلس بقيادة جماعة "فجر ليبيا" التي تضم فصائل دينية متنوعة وتحظى بشكل من أشكال الدعم الدولي غير المباشر، غير أن الخطير هنا هو رؤية المبعوث الدولي لما يجري في ليبيا وقصره على الصراع أو التنافس بين حكومتين.
إن دور المبعوث الأممي في ليبيا، والمفاوضات التي يقودها بين ما يسميه بـ "القوى المتنافسة"، لم يسفرا عن شيء حتى الأن لحلحلة الأزمة الليبية، هناك إعلانات متوالية وتصريحات من ليون نفسه، ومن دول أوروبية، ولكن سرعان ما يتضح أنها مخالفة تماما للواقع، ولما يجري فعليا على الأرض، من جهة أخرى تتعرض القوى الليبية المختلفة إلى ضغوط شديدة في اللقاءات التفاوضية التي تجري في تونس والجزائر والمغرب بمشاركة عناصر دبلوماسية واستخباراتية وعسكرية أوروبية وأمريكية.
برناردينو ليون يتحدث، بعد 4 سنوات من الأزمة الليبية، عن انهيارات اقتصادية وأمنية وحرب أهلية في ليبيا، ويرى أن ما يجري هناك يستوجب حلا سريعا لإنهاء الأزمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي الوقت نفسه لا يحدد أي طرف من الأطراف هذا الذي "يمكن إنقاذه" بالضبط، خاصة في ظل إعلان "الولايات" الإسلامية في أكثر من مكان بليبيا، وعلى رأسها ولاية "درنة الإسلامية"، ومبايعة العديد من التنظيمات والجماعات لتنظيم "داعش" الإرهابي الذي تعمل عناصره بحرية كبيرة في الأراضي الليبية، سواء ضد الليبيين أنفسهم أو ضد الأجانب العاملين هناك.
الحديث يدور عن حرص جميع الأطراف الدولية والمحلية على ضرورة تسوية الأوضاع في ليبيا عن طريق الحوار بين القوى المتصارعة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وفي الوقت نفسه تتجاهل هذه الأطراف الأسباب الحقيقية للصراع الليبي، وترفض أي مبادرات من خارج الدائرة الأوروبية الأطلسية، وتغمض العين أيضا عن الجهات التي تقوم بتمويل "داعش" عبر شراء النفط الليبي، وترفض تسليح الجيش.
لقد ظهرت الأنباء عن سقوط مدينة سرت في 21 مايو/ أيار الجاري، وبعد 3 أيام فقط أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا أن طائراتها هاجمت ناقلة نفط رست في ميناء سرت، وقبلها بأيام قليلة، قصفت القوات الليبية سفينة تركية كانت تحاول الدخول إلى المياه الإقليمية الليبية، وفي 29 مايو/ أيار أعلن "داعش" أنه استولى على سرت التي كانت قوات "فجر ليبيا" تسيطر عليها، كل هذه الشواهد تشير إلى وصول المفاوضات الليبية إلى طريق مسدود في ظل الضغوط الغربية، واستبعاد أي مبادرات دولية أو إقليمية إلا إذا كانت متوافقة مع مصالح أطراف بعينها تتحكم في مسارات الأزمة.
لقد تم التأكيد على أن تنظيم "داعش" سيطر على قاعدة "القرضابية" الجوية في مدينة سرت الليبية، على الرغم من تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون حول خطورة تمدد هذا التنظيم الإرهابي وتزايد نفوذه.
المثير للتساؤلات هنا، أنه في منتصف شهر مارس/آذار الماضي أعرب مسؤولون أمريكيون عن قلق واشنطن العميق من تزايد نفوذ تنظيم "داعش" في ليبيا، وقالوا إن "كبار" قادة ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" سافروا إلى ليبيا، التي تشهد صراعا مسلحا، للمساعدة في تجنيد وتنظيم صفوف المتشددين وخصوصا في مدينتي درنة وسرت، وأظهر تقرير وزعه مكتب الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في مارس/آذار أنه منذ أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، نفذ إرهابيو "داعش" هجمات كثيرة، أبرزها الهجوم على فندق "كورنثيا" في طرابلس والهجوم على حقل المبروك النفطي جنوب سرت.
إن الولايات المتحدة التي تراقب الأوضاع جيدا في البحر المتوسط وعبر أجهزتها الكثيرة داخل ليبيا وخارجها، تتحدث بشكل حيادي جدا وكأن الأمر لا يعنيها كثيرا، أو في أحسن الأحوال، لا تستطيع عمل أي شئ أمام تمدد "داعش" واتساع نفوذه!
إذا كانت مدينة درنة تحولت إلى "ولاية إسلامية"، ثم بايعت "داعش"، فقد سقطت مدينة سرت التي تتضمن ميناء سرت أيضا في يد "داعش"، وتم الاستيلاء على قاعدة "القرضابية" الجوية التي تعد أكبر قاعدة عسكرية ليبية موجودة في سرت بعد انسحاب مليشيات "فجر ليبيا" منها، فماذا سيكون مصير هذه المدينة، ومصير الميناء الذي قد يكون "الدجاجة التي تبيض ذهبا" لـ "داعش"، ويصبح أحد مصادر الدعم والتمويل الآتية من تصدير النفط، وهو الأمر الذي يعيد طرح نفس السؤال الذي يتردد طوال أكثر من عام ونصف بشأن مصادر تمويل التنظيم الإرهابي، والأطراف المستفيدة من تصدير النفط ونقله من المناطق التي يسيطر عليها، وكيف تسير هذه العملية على الرغم من وجود القطع والأساطيل البحرية الأمريكية والأوروبية في البحر المتوسط!