وفي قرية نعلين غربي رام الله بالضفة الغربية، انطلقت مسيرة حاشدة لإحياء هذه الذكرى الأليمة، وانطلقت صافرات الإنذار، منتصف يوم الجمعة، لمدة 67 ثانية تعبيرا عن مدة السنوات التي مضت على وقوع النكبة.
وكانت لجنة إحياء النكبة وفصائل فلسطينية قد دعت إلى مشاركة حاشدة في المسيرة، لـ"إيصال رسالة للعالم بأن الفلسطينيين متمسكون بحقهم في العودة إلى ديارهم وتعويضهم عما حل بهم من أضرار مادية ومعنوية".
هنا لا بد أن نقول إن هذه الفعالية تجري سنويا فـ 67 عاما والإسرائيليون يحتفلون باستقلالهم على أنقاض نكبة فلسطين، في هذه المناسبة يخرج آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الخط الأخضر ومخيمات الشتات في دول الجوار ودول عربية وأجنبية لإحياء ذكرى النكبة في مسيرات كبيرة تحت مسمى "مسيرة العودة" التي ترمز إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم عنوة.. يحملون مفاتيح بيوتهم التي تركوها عنوة وملف اللاجئين وهو أحد ثوابت الشعب الفلسطيني وأسس المفاوضات مع إسرائيل بات اليوم أكثر إلحاحا في ظل الأوضاع المزرية للمخيمات وخصوصا في سوريا التي تعاني أزمة اقتتال داخلي شرسة، كان لها أثر بليغ على حياة اللاجئين هناك.
وبعيدا عن الملفات التفاوضية التي انهارت بفعل لاءات إسرائيل للسلام رغم الضغوط الدولية، فإن السلام البعيد لا يقترب من هذه الأرض، بل تزداد النكبة نكبة بفعل ممارسات آلة الحرب الإسرائيلية التي حاصرت ودمرت قطاع غزة بحروب متتالية.
وللاستيطان حصة الأسد في الانتهاكات، إذ أبعد امتداده ترقب دولة فلسطينية بتقطيعه أوصال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتحييد القدس بجدار ومستوطنات من كل جهة.
ورغم رفض المجتمع الدولي التواجد الإسرائيلي في القدس الشرقية على اعتبارها أراض محتلة بحسب القوانين الدولية، تقوم إسرائيل وبشكل ممنهج منذ احتلالها المدينة عام 1967 بتغيير الواقع على الأرض من خلال توسيع الاستيطان ومنع المؤسسات الفلسطينية من العمل في المدينة، ناهيك عن دخول المستوطنين إلى باحات المسجد الأقصى المبارك بشكل شبه يومي تحت حماية الشرطة الإسرائيلية وسط صمت دولي غير مسبوق.
وتعيش القدس نكبة كل يوم منذ نكستها، ويعاني المقدسيون من التضييق التي تفرضه السلطات الإسرائيلية في شتى مجالات الحياة، وتحاول حكومة تل أبيب اللعب على المسألة الديموغرافية بهدم البيوت وتهجير ساكنيها ومنح المستوطنين امتيازات خاصة لتشجيعهم على الانتقال إلى مناطق في شرق المدينة وفرض سياسة الأمر الواقع وطرحها على طاولة المفاوضات.
لا يختلف الوضع في الضفة الغربية كثيرا، فهناك الانتشار الأكبر للمستوطنين والمستوطنات التي قسمت الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات يصعب تواصلها جغرافيا، أضف إلى ذلك التواجد العسكري الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة وحتى الحدود مع الأردن والذي يعطل الحياة اليومية للمواطنين والمؤسسات بفرضه قيودا على التحرك بين المدن الفلسطينية.
في الآونة الأخيرة ومع تطرف الشارع الإسرائيلي عاما بعد عام ووصول الحكومات اليمينية إلى سدة الحكم، يحاول المستوطنون في شتى الأماكن الخروج في مسيرات استفزازية ضد الاحتفال بذكرى النكبة، أشد المسيرات تطرفا تجري في مدينة القدس وتحديدا في الحرم القدسي تحت عناوين متطرفة مختلفة ومطالبات بإقامة "الهيكل الثالث" على أنقاض المسجد الأقصى.
إحياء ذكرى النكبة داخل الخط الأخضر له طعم آخر من المرارة، فهنا بدأت النكبة ومن هنا تم تهجير اللاجئين إلى دول الجوار..
لاتزال الأبنية القديمة المهجورة داخل الخط الأخضر شاهدة على التطهير العرقي للمواطنين الأصليين، ولا تزال إسرائيل تمنع حتى المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون جنسيتها من دخول بيوتهم بعد نزوحهم إلى مناطق أخرى في الداخل، وما يبقى لهؤلاء إلا استذكار النكبة بمسيرات إلى بيوتهم المهجورة والتي لا تبعد عنهم سوى كيلومترات قليلة.. بيوت تراها العين وتدخل القلب وتبقى بعيدة في ذاكرة نكبة تمارسُها إسرائيل كل يوم.
ويبتعد حلم العودة شيئا فشيئا سيما مع طرح ما يسمى بـ "الحل العادل" لقضية اللاجئين، وهو شرط يحتمل تأويلات ونهايات عديدة لعل أبرزها "تعويض دون العودة".. تعويض يأمل المتمسكون بحق العودة أن يرفضه أبناء الجيل الرابع من اللاجئين الذين ما يزالون يحتفظون بمفاتيح منازل آبائهم وأجدادهم.
المصدر: RT