العلاقات بين موسكو وواشنطن من سيء إلى أسوأ بعد أن بدأت الولايات المتحدة تتعامل مع روسيا كمنطقة نفوذ، ما أسفر ليس فقط عن وضع العراقيل أمام تسوية الأزمة الأوكرانية، وفرض عقوبات أحادية الجانب على موسكو، واستعداء أوروبا ضد روسيا والتوسع نحو حدوها، بل تعداه إلى محاولة التدخل في شؤونها الداخلية.
تعلقت الأنظار بهذا اللقاء على خلفية عدم استجابة واشنطن لدعوة موسكو بحضور الذكرى السبعين للانتصار على النازية، والاكتفاء بوجود السفير الأمريكي فقط، وهو ما فعله بعض القادة الأوروبيين، ومع ذلك لم يستطع جون كيري أن ينتهك الأعراف الإنسانية والتاريخية حتى النهاية، ووضع إكليلا من الزهور على قبر الجندي المجهول في مدينة سوتشي برفقة سيرغي لافروف.
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أعلن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيبحث مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري طيفا واسعا من القضايا الدولية والروسية – الأمريكية، واعتبر أن الحوار يمكن أن يسمح بإيجاد حلول لإعادة العلاقات الروسية الأمريكية إلى مسارها الطبيعي.
هناك تفاؤل روسي بشأن هذا اللقاء، خاصة وأن موسكو ترى أنها لم تبادر إطلاقا إلى إفساد العلاقات أو تجميدها، وإنما العكس هو الذي حدث، وقد أكد الرئيس الروسي أكثر من مرة هذه الفكرة، مشددا على أن روسيا كانت دائما منفتحة لإبداء إرادة سياسية لإقامة حوار أوسع، ورغم كل هذا التفاؤل من جانب موسكو، من الصعب أن يحدث اختراق ملموس للجدار الصلب الذي أقامته واشنطن في السنوات الأخيرة ليس فقط في أوكرانيا، بل وفي كل المناطق الساخنة في العالم.
لقد جاءت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى موسكو في العاشر من مايو/أيار الحالي، أي بعد يوم واحد فقط من الاحتفالات بالذكرى السبعين للانتصار على ألمانيا النازية، وأجرت مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول العلاقات بين البلدين، والأزمة الأوكرانية، وأقرت ميركل في مؤتمر صحفي بجرائم ألمانيا النازية في حق البشرية، والدور الهام لشعوب الاتحاد السوفيتي والجيش الأحمر في إنقاذ العالم عموما، وأوروبا والشعب الألماني على وجه الخصوص، من الاستبداد النازي.
من جهة أخرى، لم تتراجع ميركل عن مواقفها السابقة بشأن رؤيتها للأزمة الأوكرانية، وشددت على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي هذا البلد، بل وطالبت بفصل شبة جزيرة القرم عن روسيا، ولكنها لم تتحدث عن الحوار الحقيقي بين كييف وجمهوريات شرق أوكرانيا التي أعلنت استقلالها من طرف واحد، ولم تتحدث أيضا عن إجراء إصلاحات دستورية في أوكرانيا تضمن حقوق الجميع بدون تمييز أو استثناء، وتجاهلت تماما دعوة روسيا بالإبقاء على أوكرانيا خارج الأحلاف، وهو ما يشير إلى أن برلين لا تستطيع تفهم ما يجري في أوكرانيا من جهة، وغير قادرة على التخلص من السيطرة والضغوط الأمريكية.
لقد أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن لدى روسيا وألمانيا وجهات نظر مختلفة تجاه الوضع في أوكرانيا، لكن الجانبين يتوافقان على الحل السلمي هناك، وهذا هو أيضا الوضع مع الولايات المتحدة التي توافق على التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية، ثم ترسل قواتها إلى أوكرانيا لتدريب قوات الحرس الوطني، وتلوح بتزويد كييف بالأسلحة.
من الواضح أن الولايات المتحدة تواصل نفس اللعبة السياسية القديمة بالتقرب إلى روسيا حينما تتعقد الأمور وتصل إلى طريق مسدود في العديد من المناطق بسبب سياسات الإدارة الأمريكية نفسها. ومن جهة أخرى، تسعى واشنطن من هذه اللقاءات، التي تثير التفاؤل عادة، كي تخفف عن نفسها ضغوط المجتمع الدولي أو إبعاد أنظاره عن مغامراتها في هذه المنطقة أو تلك. وإذا كان كيري قد وصل إلى روسيا لإجراء مباحثات مع قياداتها، فحلف الناتو في الوقت نفسه يواصل خلط الأوراق بشكل غير مسبوق، وكأنه منفصل تماما عما يجري على أرض الواقع. فقد صرح الحلف في 11 مايو/أيار الحالي بأن مقاتلاته رصدت طائرة روسية في الأجواء الدولية فوق بحر البلطيق. ومن جانبها أعلنت القوات المسلحة الوطنية في جمهورية لاتفيا أن طائرات "الشرطة الجوية" لحلف الناتو انطلقت لاعتراض طائرة عسكرية روسية من طراز "إي إن -22 " فوق بحر البلطيق. ومن أجل إقناع الرأي العام الأوروبي بالخطر الذي تشكله روسيا على أوروبا، يبالغ الناتو كثيرا في موضوع تهديدات روسيا لدول البلطيق، ورصد طائرات روسية في الأجواء الدولية فوق البلطيق.
وفي الوقت الذي يطلق فيه الناتو مثل هذه التصريحات، بدأت قبالة سواحل جمهورية ليتوانيا الاثنين 11 مايو/أيار المناورات البحرية "القلعة البلطيقية – 2015" بمشاركة عدد من دول المنطقة ودول أخرى أعضاء في حلف الناتو. وهناك، وفقا لتقارير إعلامية محلية، نحو 20 سفينة تشارك في هذه التدريبات بما فيها سفن حربية بريطانية وألمانية وبلجيكية، وتشارك بها لأول مرة كاسحات ألغام.
وعلى الرغم من هذه الاستفزازات على الحدود المباشرة لروسيا، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس 7 مايو/أيار الحالي أن روسيا ستتفاعل إيجابيا مع إشارات الناتو لاستئناف التعاون المشترك. ولكنه شدد من جهد أخرى على أن عودة الاتصالات بين موسكو والحلف ليست مفتاحا لحل الأزمة الأوكرانية، بل يتوقف حلها على تطبيق اتفاقات مينسك.