كشف الاعتداء الإرهابي على الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" انقساما واضحا في المجتمع الدولي، فهناك من رفع شعار" أنا شارلي" كرمز لحرية التعبير، وفي المقابل رفع آخرون شعار "أنا لست شارلي"، معتبرين ما قامت به الصحيفة الفرنسية ضربا من الاستفزاز لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم.
وإن تضامنت فرنسا شعبا وحكومة مع ضحايا الهجوم الإرهابي على "شارلي إيبدو"، ودافعت عن أحقيتها في تمرير أفكارها بما تكفله معايير حرية التعبير، لكن المدافعين ذاتهم عن حرية التعبير لجموا آراء الفكاهي المثير للجدل ديودونيه الذي أوقفته الشرطة الفرنسية بتهمة الإشادة بالإرهاب بعد أن كتب على صفحته الشخصية في "فيسبوك" "أشعر أني شارلي- كوليبالي" (هذا الأخير الذي نفذ هجوما استهدف متجرا يهوديا في باريس)، غير أن ديودونيه تهكم على المسيرة المليونية لتكريم ضحايا الهجمات في باريس.
ديودونيه... فكاهي ساخر يشكك بـ"الهولوكست"
فكاهي ساخر وجهت إليه من قبل اتهامات بمعاداة السامية ويعرف ديدونيه بسخريته من اليهود وتشكيكه الدائم فى الهولوكوست.
وكان الفكاهي الساخر دعا في فيديو سابق عام 2010 الى الإفراج عن يوسف فوفانا الذي أدين بتهمة قتل الشاب اليهودي ايلان حليمي في فرنسا في العام 2006.
وابتكر ديودونيه حركة "كينيل" Quenelle التى شبهها الكثيرون بتحية هتلر النازية، وهى حركة احتجاجية ضد العنصرية وقلدها كثيرون منهم لاعب الكرة الفرنسي المحترف نيكولاس أنيلكا، الذي أداها العام الماضي فى إحدى مباريات الدوري الإنكليزي.
وفي أواخر سنة 2013 منع القضاء عددا من عروض ديودونيه، فيما فتح تحقيق في يوليو/ تموز بسبب تهربه من الضرائب واستغلاله المال العام.
التطرف يغزو معسكر "حرية التعبير"
هذه المفارقة في إصدار الأحكام حول مواقف أو آراء ساخرة تصنف تحت مظلة حرية التعبير، لكنها أحدثت انقساما مجتمعيا وصل إلى حد "التطرف" في المعسكرين، فقد ذكرت الصحفية الفرنسية نتالي سان التي اعتبرت أن كل ما هو خارج "شارلي إيبدو" لا يمكن استيعابه في إطار حرية التعبير، ليصبح تصريحها مادة للتندر في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد استفاقة فرنسا من ضربتها الموجعة بدأت تظهر دعوات من أجل وضع قوانين أكثر تشددا لمكافحة الإرهاب، لكن هذه الخطوة أثارت جدلا، وقوبلت باعتراضات من جهات عديدة نظرا لأنها تستهدف الرقابة على الاتصالات والإنترنت، وبالتالي "حرية التعبير"، بحد ذاتها.
خلط بين حرية التعبير ودعم الإرهاب
أعرب بعض الفرنسيين عن امتعاضهم من سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع مسألة حرية التعبير خاصة مع إيقاف ديودنيه، اذ أطلق الفرنسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة "أنا ديودنيه" لتقارع حملة "أنا شارلي"، وبات ديودينه رمزا جديدا لحرية التعبير بعد أن استخدم كلمات عبر فيها عن وجهة نظر معينة عبر صفحته الشخصية بـ"فيسبوك".
ويرى البعض أن فرنسا "المرتبكة" تتعامل بمعايير مزدوجة في بلد يقولون إنه يعيش مناخا حرا ضامنا لجميع أشكال التعبير، وطالما دان المجتمعات الديكتاتورية التي تقمع أفكار نخبها.
لكن هذا الصرح الأفلاطوني بدأ يتهاوى بسبب الانقسام الاجتماعي على خلفية هجوم شارلي إيبدو، وبات هناك خلط واضح بين حرية التعبير والإرهاب.
وخلال ساعات قليلة بعد أن قام الفكاهي الفرنسي ديودونيه بتدوين رأيه الساخر على موقع "فيسبوك" حول المسيرة التي نظمت في باريس لتكريم ضحايا الإرهاب فتح القضاء الفرنسي تحقيقا مع ديودونيه بتهمة "الإشادة بالإرهاب".
خطوة عدها البعض ضربة استباقية لوسائل الإعلام الاجتماعي التي عوضت بشكل ما عن المدونات في عرض الأفكار وتسويقها لأكثر عدد من المتابعين، فعدد مستخدمي "فيسبوك" فقط تجاوز المليار شخص.
ويتخوف أغلب الفرنسيين من المساس بحرياتهم خلال الإجراءات المقبلة لمكافحة الإرهاب، فهناك قلق من أن تنال من الفكر والتعبير والنشر وتدويناتهم أيضا.
يبدو أن المعركة القادمة في فرنسا لن تكون فقط محاربة الإرهاب والتطرف بل أيضا حرب "الدفاع عن حرية التعبير" التي تفتخر بها المجتمعات الديمقراطية.
المصدر: RT