ففي نهاية عام 2013 بدأت احتجاجات الميدان الأوروبي في كييف للمطالبة بدخول أوكرانيا إلى الاتحاد الاوربي بعد تعليق حكومة الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، في هذه الأثناء قام يانوكوفيتش منتصف ديسمبر/كانون الأول 2013 بزيارة إلى موسكو لمقابلة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تمخضت عن منح كييف خصما بنسبة 30% على سعر الغاز المورد إليها، وذلك بعد سنوات من المفاوضات، وتم الاتفاق على خفض سعر الغاز المورد لأوكرانيا خلال الربع الأول من عام 2014، من 378 دولارا إلى 268.5 دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز، كما قررت موسكو استثمار 15 مليار دولار في السندات المالية الأوكرانية.
ومع بداية عام 2014 ارتفعت وتيرة الاحتجاجات تدريجيا في ميدان الاستقلال في كييف، ونشبت اشتباكات بين محتجين والشرطة الأكرانية، أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الطرفين، وفي ظل تلك الظروف صوت مجلس النواب الأوكراني على عزل الرئيس يانوكوفيتش في 22 فبراير/شباط، وتم إلغاء قانون اللغة للأقليات (والذي يشمل الروسية) وتم إعلان اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة للبلاد، فجاء هذا القرار ليصب الزيت على النار.
وفي ظل حالة من عدم اليقين في تلك الفترة فيما يخص السلطة الشرعية في كييف، أعلنت "غازبروم" نيتها العمل بنظام الدفع المسبق (أدفع ثم استلم) مقابل توريدات الغاز إلى أوكرانيا بسبب تقاعس كييف عن دفع ثمن الغاز الروسي، والتي كانت قد وعدت بأن تقوم بسداد ديون الغاز المترتبة عليها عن عام 2013 في مدة أقصاها الـ25 يناير/كانون الثاني 2014، لكنها بدلا من تسديد ديونها القديمة طلبت بتأجيل مستحقات الشهر الأول.
وطالبت شركة "غازبروم" الروسية نظيرتها الأوكرانية "نفطوغاز" منتصف مارس/آذار بسداد الديون المتراكمة عليها، وأكدت أنها لن تتخذ أي إجراءات بخصوص نظام الدفع مقدما مع أنها تملك الحق في ذلك وفقا للعقد المعمول به، وذلك للحيلولة دون انهيار الاقتصاد الأوكراني، ولتجنب نشوء مخاطر تتهدد سلامة عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا.
ومع استمرار مماطلة كييف في سداد ديونها، قررت موسكو عدم تمديد اتفاقية أسعار الغاز المخفضة مع أوكرانيا التي انتهى مفعولها مع نهاية الربع الأول من 2014، وتم زيادة سعر الغاز المورد لأوكرانيا بنحو 200 دولار إلى 485.5 دولار لكل ألف متر مكعب، اعتبارا من شهر أبريل/نيسان 2014 بعد إلغاء جميع الحسومات التي منحت لكييف سابقا وفقا لاتفاقية خاركوف.
في نهاية أبريل/نيسان ارتفع إجمالي ديون أوكرانيا عن إمدادات الغاز الروسي إلى نحو 3.5 مليار دولار، بالإضافة إلى ديون سابقة عن توريدات عام 2013، وأكدت موسكو أنها لن تناقش مع أوكرانيا مسألة تخفيض سعر الغاز إلا بعد أن تقوم كييف بسداد جميع الديون المترتبة عليها عن ثمن توريدات الغاز السابقة، وقررت روسيا اعتبارا من شهر يوليو/حزيران التعامل مع أوكرانيا وفقا لنظام الدفع المسبق (الدفع سلفا) لثمن إمدادات الغاز الروسي.
منتصف يونيو/حزيران علقت روسيا إمدادات الغاز إلى أوكرانيا إلى حين حصولها على مستحقاتها من مليارات الدولارت المتراكمة على كييف.
وعلى الصعيد القانوني قررت "غازبروم" رفع دعوى قضائية إلى المحكمة التجارية الدولية في ستوكهولم، ضد شركة "نفطوغاز أوكرانيا"، بهدف تحصيل ديونها التي بلغت 4.458 مليار دولار منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
ولوحت "غازبروم" بالاستعداد لرفع دعوى جديدة ضد الشركة الأوكرانية، ومطالبتها بمبلغ 18 مليار دولار تتبع بالدعوى الأولى.
بالمقابل، قالت شركة "نفطوغاز أوكرانيا" إنها رفعت دعوى أمام المحكمة ذاتها ضد "غازبروم" للنظر في سعر الغاز الذي يتضمنه العقد القائم، وإنها ستطالب باسترداد ستة مليارات دولار من شركة "غازبروم".
في هذه الأثناء تواصلت المباحثات الثلاثية في بروكسل بين روسيا وأوكرانيا والمفوضية الأوروبية حول ديون الغاز بين موسكو وكييف وتأمين إمداداته إلى أوروبا، وبعد أخذ ورد تم التوصل إلى اتفاق (اتفاق الغاز الشتوي) في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوساطة أوروبية على استئناف توريدات الغاز خلال فصل الشتاء الحالي اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وحتى مارس /آذار 2015، وضمان عدم انقطاع ترانزيت الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا، بشرط أن تقوم أوكرانيا بسداد 3.1 مليار دولار من ديونها الإجمالية، البالغة 5.3 مليار دولار لروسيا قبل نهاية عام 2014، بالإضافة إلى شراء كميات جديدة من الغاز لفصل الشتاء بشرط دفع ثمنها مسبقا، كما ينص الاتفاق على أن تمنح روسيا لأوكرانيا حسما قدره 100 دولار ليصبح سعر الغاز387 دولارا لكل ألف متر مكعب.
وبالفعل قامت روسيا باستئناف ضخ الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا في التاسع من ديسمبر/كانون الثاني بعد تعليق مؤقت استمر نحو ستة أشهر، كما قامت شركة "نفطوغاز أوكرانيا" بدفع 3.1 مليار دولار عبر شريحتين مقابل 11.5 مليار متر مكعب وردتها "غازبروم" إلى أوكرانيا في الفترة ما بين (نوفمبر - ديسمبر) عام 2013 و(أبريل - يونيو) 2014.
وستورد "غازبروم" مليار متر مكعب من الوقود الأزرق استلمت ثمنها مسبقا من كييف، ولكن هذا الحجم ضئيل جدا مقارنة باحتياجات البلاد.
على هذا الشكل أنهت أزمة ديون الغاز بين روسيا وأوكرانيا عام 2014، ويرى خبراء أن الانتقال إلى صيغة الدفع سلفا، يمكن أن يزيد الأزمة تعقيدا، مع عجز كييف عن إيجاد مصادر مالية لدفع ثمن الغاز في الوقت المحدد خاصة أن أوكرانيا تحتاج إلى نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز، يأتي قرابة 60% منها من روسيا.
المصدر: RT