وشهدت مدينة فيرغسون بولاية ميزوري الثلاثاء 25 نوفمبر/تشرين الثاني احتجاجات عارمة. وتضامنا مع سكانها بدأت تحركات احتجاجية مماثلة في المدن الأمريكية الكبرى، وعلى رأسها نيويورك وشيكاغو والعاصمة واشنطن.
مقتل مايكل براون وانفجار غضب سكان فيرغسون
وكان الشاب الأسود الأعزل مايكل براون (18 عاما) قد قتل وضح النهار على يد ضابط شرطة دارين ولسون في فيرغسون بضواحي مدينة سانت لويس في 9 أغسطس/آب الماضي، وذلك بعد خروجه من مخزن للمشروبات الروحية حيث اتهم بسرقة علبة سيجار.
وتجدر الإشارة إلى أن براون لم يحاكم ولم يحتجز من قبل الشرطة قبل مقتله.
ورغم أن نسبة السود في هذه المدينة، التي يقطنها21 ألف نسمة، تصل إلى 70% تقريبا إلا أن شرطة فيرغسون لاتضم سوى ثلاثة أفراد منهم مقابل 50 فردا أبيض.
وكانت الشرطة تتكتم لفترة طويلة على هوية الضابط، فيما أكد شهود عيان من البداية أنه كان أبيض.
وأشارت نتائج الفحص الأولي حينها إلى عدم العثور على آثار بارود على جثة براون، أي أنه قتل بعد إطلاق النار عليه عن بعد. كما تدل آثار الطلقات النارية على جثته على أنه كان يواجه قاتله ويلسون وجها للوجه.
وأثار هذا الحادث غضب سكان المدينة وأدى إلى احتجاجات ومواجهات مع الشرطة.
ودعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 14 أغسطس/آب إلى "السلام والهدوء" في فيرغسون قبل أن يقرر محافظ ميزوري جاي نيكسون في 18 من الشهر نفسه نشر الحرس الوطني في المنطقة.
ودفعت الاحتجاجات الإدارة الأمريكية إلى التفكير في إعادة النظر في الأسلحة التي تستخدمها الشرطة الأمريكية وسن قوانين فيدرالية من أجل تخفيف تسليح الشرطة الأمريكية، وإعادة النظر في القوانين التي سنت بعد 11 سبتمبر 2001، ومُنحت الشرطة الأمريكية صلاحيات واسعة في مواجهة خطر الإرهاب.
شارك آلاف الأمريكيين في 25 أغسطس/آب في جنازة مايكل براون، وأرسل الرئيس الأمريكي باراك أوباما 3 ممثلين عن البيت الأبيض لحضور مراسم دفن الشاب الأسود.
احتجاجات ضد عنف الشرطة والتمييز العنصري
وتظاهر مئات الأمريكيين أواخر أغسطس/آب في واشنطن ونيويورك ومدن أخرى احتجاجا على مقتل براون وغيره على يد الشرطة.
ورفع المتظاهرن لافتات كتب عليها: "نتضامن مع سكان فيرغسون" و"أوقفوا الإرهابي الشرطي العنصري" و"العدالة لمايكل براون" و"الشرطة في هذه الدولة لا يجب أن تقتل مواطنا أسود كل 48 ساعة" و"الشرطة المسلحة تضمن الاستبداد". كما هتف المتظاهرون: "حياة السود ليست رخيصة"، "لا عدالة، لا سلام" و"نرفع أيدينا .. لا تطلقوا النار".
واستمرت احتجاجات واسعة واشتباكات عنيفة ضد عنف الشرطة والتمييز العنصري وللمطالبة بتطبيق العدالة في الولايات المتحدة في فيرغسون وغيرها من المدن خلال الأشهر الماضية، ما دفع وزير العدل الأمريكي إريك هولدر لتقديم استقالته.
والجدير بالذكر أن هولدر من جهته كان عام 2008 أول رجل أسود يتبوأ هذا المنصب.
وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول تجددت الاحتجاجات في ولاية ميسوري الأمريكية ضد التمييز العنصري والعنف المسلط من قبل الشرطة، حيث خرج نحو 5 آلاف إلى شوارع مدينة سانت لويس.
وفي فيرغسون شارك عدة آلاف في الاحتجاجات في 13 أكتوبر/تشرين الأول، وتم احتجاز 42 شخصا بتهمة خرق النظام العام، و6 آخرين على خلفية سد الطرقات ورفض الامتثال لأوامر الشرطة بالتفرق.
مايكل براون.. من التالي؟
قصة مايكل براون، التي فجّرت احتجاجات عنيفة في الولايات المتحدة في الأشهر الماضية، ليست فريدة من نوعها، إذ تكررت حوادث مشابهة قبل وحتى بعد الحادث المأساوي في فيرغسون.
فقد قام عدد كبير من رجال الشرطة البيض في نيويورك في 17 تموز/يوليو الماضي بطرح أريك غارنر (43 سنة) أرضا عندما حاول مقاومتهم أثناء اعتقاله للاشتباه في قيامه ببيع سجائر بصورة غير شرعية.
وفي شريط فيديو صوره أحد الهواة يظهر رجل شرطة يضغط على رقبة غارنر البدين والمصاب بالربو، وقد راح الأخير يشكي أكثر من مرة من أنه لا يستطيع التنفس قبل أن يغيب عن الوعي وتعلن وفاته في المستشفى.
وبعد أيام فقط من مقتل مايكل براون في فيرغسون قتل شاب أسود آخر على بعد أقل من 7 كيلومترات من المكان الذي قتل فيه براون.
وأفرج قسم شرطة مدينة سانت لويس عن لقطات من هاتف نقال يظهر فيها وقائع قتل المواطن الأسود كاجيمي باول (25 عاما) في 20 أغسطس/آب على يد شرطة المدينة.
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول قتل شاب أمريكي أسود بولاية ميزوري على يد ضابط شرطة أبيض خارج وقت الخدمة.
وتلقى الشاب فنودريت مايرز (18 عاما) 17 رصاصة من ضابط الشرطة الأبيض، وحدثت الواقعة عندما شاهد ضابط الشرطة ثلاثة شبان، بينهم فنودريت مايرز، يفرون منه داخل الحي، وقام مطاردة مايرز وإطلاق النار عليه.
وعلى خلفية ذلك قطع أكثر من 200 متظاهر طريقا رئيسيا في حي "سانت لويس شو" بولاية ميسوري احتجاجا على عنف الشرطة ضد الأمريكيين السود.
قلق حقوقيين
وعبرت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية عن قلقها بشأن عنف الشرطة الأمريكية والاستخدام المفرط للقوة من قبل رجال الشرطة ضد المحتجين السلميين وكذلك الاعتقالات، بما فيها اعتقال الصحفيين، ناهيك عن قضية التمييز العنصري.
وكان الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن يغلاند قد أكد في أغسطس/آب أن أعمال الشرطة الأمريكية هذه "تعد خرقا لحقوق الإنسان"، داعيا السلطات إلى إيلاء اهتمامها للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي دفع المحتجين للخروج إلى الشوارع.
وأظهر مقتل الشاب مايكل براون وغيره على يد الشرطة الأمريكية حجم مشكلة عنف الشرطة والتمييز العنصري ضد السكان السود في الولايات المتحدة، والذين لا يزالون فئة مهمشة في المجتمع الأمريكي تعاني أكثر من غيرهما من مشاكل الفقر والبطالة وتدني مستوى التعليم والخدمات الاجتماعية.
ويبدو أن وضع السود لم يتغير كثيرا مع وصول أول رئيس أسود إلى الحكم في الولايات المتحدة.
وأثارت حوادث قتل سود متكررة وتبرئة الشرطي ويلسون مؤخرا تساؤلات كثيرة حول تحيز أجهزة الأمن والقضاء في الولايات المتحدة، التي تسمح سلطاتها لنفسها بالتدخل في شؤون غيرها من الدول بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان..
المصدر: RT