وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس 10 أبريل/نيسان الجاري، رسالة إلى قادة الدول الأوروبية المستهلكة للغاز الروسي من خلال القنوات الدبلوماسية، ضمنها اقتراحات محددة فيما يخص أزمة ديون الغاز الأوكرانية.
وقال دميتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، إن الرسالة تم توجيهها من خلال القنوات الدبلوماسية إلى رؤساء الدول المستوردة للغاز الروسي، كاشفا عن أنها تضمنت شرحا مفصلا عن مشاعر القلق الشديد الذي ينتاب الجانب الروسي لتطور الأوضاع، والطبيعة الحرجة للأزمة التي نشأت على خلفية ارتفاع الديون المترتبة على كييف عن ثمن توريدات الغاز الروسي، كما تحتوي على عدد من المقترحات المحددة.
وكانت وسائل إعلام روسية قد تحدثت في وقت سابق عن أن هذه الرسالة أعدت بعد الاجتماع الذي ترأسه بوتين يوم الأربعاء الماضي مع الحكومة الروسية وشركة "غازبروم"، وتناول التداعيات المحتملة على ترانزيت الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية.
حينها دعا بوتين إلى التمهل في تطبيق البنود المنصوص عليها في حال عدم سداد كييف ثمن توريدات الغاز الروسي، وعدم مطالبة الشركاء الأوكرانيين بالمدفوعات المقدمة لإمدادات الغاز قبل إجراء المزيد من المشاورات معهم.
جاء اقتراح بوتين بعد تأكيد رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف في نفس الاجتماع على أن العقد المبرم بين روسيا وأوكرانيا عام 2009 ينص على إمكانية اللجوء إلى نظام الدفع المسبق (ادفع ثم استلم) في حالة عدم سداد الديون.
وقال مدفيديف إن إجمالي حجم الديون المترتبة على أوكرانيا لروسيا تبلغ 16.6 مليار دولار. وأشار إلى أن هذه الديون تتألف من ثلاثة مليارات دولار كانت على شكل قرض لأوكرانيا، بالإضافة إلى ديون متراكمة عن ثمن الغاز الروسي قيمتها 2.2 مليار دولار، و11.4 مليار دولار أموال مستحقة لروسيا ناتجة عن إلغاء اتفاقيات سابقة.
نص رسالة الرئيس بوتين إلى زعماء 18 دولة أوروبية مستوردة للغاز الروسي
"يتدهور الاقتصاد الأوكراني في الأشهر الأخيرة بسرعة، ويتعمق الركود في الصناعة والبناء، ويزداد عجز الميزانية، ويجري تدهور حاد في المجال المالي، وإضافة إلى عجز الميزان التجاري هناك نزوح لرؤوس الأموال من البلاد، و يقترب اقتصاد أوكرانيا من الإفلاس وتوقف الإنتاج ونمو هائل للبطالة.
تعتبر روسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي من أكبر شركاء أوكرانيا في مجال التجارة. وانطلاقا من هذا، اتفقنا في قمة روسيا – الاتحاد الأوروبي التي عقدت في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، على التشاور بشأن مسألة تطور الاقتصاد الأوكراني، مع الأخذ بعين الاعتبار مراعاة مصالح أوكرانيا وبلداننا عند تشكيل اتحادات تكاملية بمشاركتها، لكن كافة محاولات الجانب الروسي الرامية إلى بدء مشاورات حقيقية بهذا الشأن لم تسفر عن نتيجة.
وبدلا من المشاورات، سمعنا دعوات لتخفيض أسعار عقود الغاز الروسي، التي يزعم أنها ذات "طابع سياسي"، ويبدو أن الشركاء الأوروبيين يريدون تحميل روسيا نتائج الأزمة الاقتصادية في أوكرانيا.
منذ اليوم الأول لاستقلال أوكرانيا، تدعم روسيا استقرار الاقتصاد الأوكراني، وكنا نورّد لها الغاز بسعر مخفض. في يناير/كانون الثاني عام 2009 وبمشاركة رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو، تم التوقيع على عقد بيع – شراء الغاز الطبيعي لأعوام 2009 – 2019 تضمّن تنظيم عمليات توريد الغاز وتسديد ثمنه، وكذلك ترانزيت الغاز عبر أراضي أوكرانيا دون عوائق.
روسيا تلتزم وتنفذ بنود العقد، وبالمناسبة كان يوري برودان آنذاك وزيرا للطاقة في أوكرانيا، وهو يشغل نفس المنصب في حكومة كييف حاليا.
بلغ حجم الغاز الطبيعي المورد الى أوكرانيا خلال أعوام 2009 – 2014 (الربع الأول من عام 2014 ) 147.2 مليار متر مكعب. أريد هنا أن أشير بصورة خاصة إلى "صيغة السعر" المثبتة في العقد، والتي لم تتغير منذ ذلك الحين أبدا، كما أن أوكرانيا لغاية أغسطس/آب عام 2013 كانت تسدد ثمن الغاز بموجب هذه الصيغة.
مسألة أخرى، بعد توقيع العقد منحت روسيا لأوكرانيا عددا من المزايا وتخفيضات غير مسبوقة في سعر الغاز، منها تخفيض بموجب "اتفاقية خاركوف" عام 2010، اعتبر سلفة عن إيجار مرافق أسطول البحر الأسود لما بعد عام 2017. وكذلك تخفيض سعر الغاز المخصص لمؤسسات الصناعات الكيميائية الأوكرانية، وتخفيض بسبب أزمة الاقتصاد الأوكراني ابتداء من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2013 ولمدة ربع سنة، ومنذ عام 2009 بلغت قيمة هذه التخفيضات 17 مليار دولار أمريكي، وهنا يجب أن نضيف مبلغ 18.4 مليار دولار أمريكي لم تسدده أوكرانيا كغرامات بسبب عدم أخذها الحجم الأدنى السنوي من الغاز (take-or-pay).
وبذلك دعمت روسيا على مدى الأعوام الأربعة الماضية الاقتصاد الأوكراني بمبلغ قدره 35.4 مليار دولار أمريكي، وذلك على حساب خفض أسعار الغاز. وعلاوة على ذلك، منحت روسيا أوكرانيا قرضا بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي في ديسمبر/كانون الأول 2013. استخدمت هذه الموارد المالية الكبيرة لدعم استقرار الاقتصاد الأوكراني وملاءته والحفاظ على الوظائف والعمالة. أشدد على أنه لم يقم بذلك أحد سوى روسيا.
وماذا عن الشركاء الأوروبيين؟ إعلانات نوايا بدلا من الدعم الحقيقي لأوكرانيا، وعود بلا أفعال حقيقية. يستخدم الاتحاد الأوروبي الاقتصاد الأوكراني كمصدر للمواد الغذائية الخام والمعادن والموارد المعدنية، وفي الوقت نفسه كسوق لبيع منتجات جاهزة ذات درجة عالية من التجهيز (صناعة السيارات والكيمياء)، وذلك مع خلق عجز في الموازنة التجارية لأوكرانيا بأكثر من 10 مليارات دولار، يعادل ذلك نحو ثلثي إجمالي عجز التعاملات الجارية لأوكرانيا لعام 2013.
تؤثر أزمة الاقتصاد الأوكراني الناتجة بدرجة كبيرة عن عدم التوازن في التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي سلبا على تنفيذ الالتزامات التعاقدية لأوكرانيا فيما يتعلق بإمدادات الغاز الروسي. "غازبروم" لا ولن تطالب بأية شروط إضافية مقارنة بعقد 2009. ينطبق ذلك على سعر الغاز الذي يتم تحديده وفقا للمعادلة المتفق عليها. إلا أن روسيا لا تستطيع ويجب ألا تتحمل وحدها عبء الاقتصاد الأوكراني عن طريق تقديم تخفيضات والتنازل عن الديون، وفي الواقع، تغطي بدعمها عجز التجارة بين أوكرانيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا العام، تزداد مديونية شركة "نفطوغاز أوكرانيا" عن الغاز المورد شهرا بعد شهر. كانت المديونية في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين تبلغ 1.45 مليار دولار، لتزداد في فبراير/شباط 2014 بمقدار 260.3 مليون دولار، و526.1 مليون دولار في مارس/آذار. ألفت نظركم إلى أن السعر المخفض وقدره 268.5 دولار لكل ألف متر مكعب كان ساريا في مارس/آذار، وعلى الرغم من هذا السعر المخفض لم تدفع أوكرانيا دولارا واحدا!
في هذه الظروف، ستضطر "غازبروم" وفقا لشروط 5.1.5 و5.8 و5.3 من العقد الساري للانتقال إلى سداد قيمة إمدادات الغاز مقدما، أو بكلمة أخرى سيتم توريد الغاز الذي دفعت قيمته لمدة شهر مقدما فقط.
هذا آخر حلّ بالطبع، ونحن ندرك أنه يزيد من خطر الاستيلاء بصورة غير مشروعة على توريدات الغاز للمستهلكين الأوروبيين عبر الأراضي الأوكرانية، ويصعّب تشكيل احتياطي الغاز في أوكرانيا لاستهلاكه في الخريف والشتاء. ولضمان ترانزيت الغاز بلا انقطاع، يجب البدء في القريب العاجل بضخ 11.5 مليار متر مكعب من الغاز في المستودعات الأرضية، وسيتطلب ذلك سداد دفعات بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي تقريبا.
إلا أن ابتعاد شركائنا الأوروبيين عن الأعمال المشتركة لتسوية الأزمة الاقتصادية في أوكرانيا وحتى المشاورات مع الجانب الروسي، لا يترك لروسيا بديلا آخر.
لا يوجد سوى مخرج واحد من الوضع الراهن، وهو إجراء مشاورات على الفور على مستوى وزراء الاقتصاد والمالية والطاقة، بهدف تنسيق العمل لتحقيق استقرار الاقتصاد الأوكراني وضمان إمدادات وترانزيت الغاز الروسي وفقا لشروط التعاقد. وندعو شركاءنا الأوروبيين إلى بدء التنسيق في أعمال محددة على وجه السرعة.
بالطبع، روسيا مستعدة للمشاركة في تحقيق استقرار الاقتصاد الأوكراني، ولكن ليس بشكل أحادي الجانب، وإنما بشروط متكافئة مع شركائنا الأوروبيين، وذلك مع وضع الإسهامات والنفقات الفعلية التي كانت روسيا تتحملها وحدها لفترة طويلة في الحسبان. هذا النهج فقط كما نتصوره سيكون عادلا ومتزنا، وهو فقط سيؤدي إلى النجاح".
الرسالة وجهت إلى:
1- المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
2- الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
3- رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتزي.
4- رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
5- رئيس الوزراء اليوناني انطونيوس ساماراس.
6- الرئيس الاتحادي لجمهورية النمسا هاينس فيشر.
7 - رئيس الوزراء البلغاري بلامين أوريشارسكي.
8- رئيس جمهورية التشيك ميلوش زيمان.
9 – رئيس جمهورية بولندا برونيسلاف كوموروفسكي.
10 – رئيس رومانيا ترايان بيسيسكو
11 – رئيس جمهورية مولدوفا نيقولاي تيموفتي
12 – رئيس وزراء جمهورية كرواتيا زوران ميلانوفيتش.
13 – الرئيس الدوري للبوسنة والهرسك بكر عزتبيكوفيتش.
14 – رئيس حكومة الجمهورية السلوفاكية روبرت فيتسو
15 – رئيس جمهورية صربيا توميسلاف نيكوليتش.
16 – رئيس جمهورية مقدونيا جورجي إيفانوف
17 – رئيسة وزراء جمهورية سلوفينيا ألينكا براتوشيك
18 – رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان
المصدر: RT + "إيتار-تاس"