يحتل العلامة الازهري الشيخ محمد عياد الطنطاوي مكانة فريدة في علم الاستشراق الروسي ليس لكونه أفاد في نشر اللغة العربية في بلاد بعيدة عن مسقط رأسه في قرية بضواحي طنطا بمصر ، بل لكونه رفع شعلة التنوير والثقافة في بلاده أولا وفي روسيا ثانيا. وكان ديدنه أينما حل يتجسد في قول حكيم العرب أكثم بن صيفي التميمي:" عدو الرجل جهله وصديقه عقله".
لهذا إستحق الشيخ الطنطاوي (1810- 1861) ان تكرس له البحوث وتنشر عنه الكتب ومنها كتاب " من تراث الشيخ محمد عياد الطنطاوي – أول معلم للعربية في البلاد الروسية " بقلم د.حسين الشافعي الصادر مؤخرا عن دار "انباء روسيا" في القاهرة. ويتحدث الكاتب عن سيرة الطنطاوي الذي أمضى حياته في بطرسبورغ استاذا للغة العربية في وزارة الخارجية ومن ثم في جامعة بطرسبورغ ، وتوفي ودفن هناك واندمجت ذريته فيما بعد في المجتمع الروسي. ويرى الكاتب أيضا ان الدراسات العربية عن الطنطاوي ليست كثيرة فقد كتب عنه احمد تيمور في مجلة "المجتمع العربي" في دمشق والباحث محمد عبدالغني حسن في احد مؤلفاته. لكن أهم ما كتب عنه هو بحث " سيرة حياة الشيخ محمد عياد طنطاوي" بقلم المستشرق الكبير الاكاديمي اغناطيوس كراتشكوفسكي الصادر في عام 1929 . وتضمن هذا البحث رسالة الطنطاوي الى المستشرق الروسي فرين التي أورد فيها سيرة موجزة لحياته. ويذكر فيها كيف بدأ بتعلم القرآن منذ طفولته واعقب ذلك حفظ ألفية ابن مالك في النحو ، ثم قرأ شرح المنطق للبلوي وتفسير الجلالين. وفيما بعد عمل في الازهر وإلتقى لأول مرة بالمستشرقين الاوروبيين الذين كانوا يأتون الى مصر ، وإستفاد كثيرا من العلاقات معهم حيث كانوا يتعاملون مع النصوص ليس على أساس "النقل بل العقل" .
وقد جاء الطنطاوي الى بطرسبورغ بدعوة من قيصر روسيا للعمل في القسم التعليمي بوزارة الخارجية الروسية. وصار يلقي محاضراته وإلتف حوله العديد من المستشرقين الراغبين في الحصول على علوم لغة الضاد من أحد أبنائها مباشرة. وعندما اتقن اللغة الروسية عين استاذا في جامعة بطرسبورغ في عام 1847 وبقي فيها حتى إحالته الى التقاعد في عام 1861 بسبب تدهور حالته الصحية. ونال رسالة شكر من القيصر وأهداه ولي العهد خاتما مرصعا ، بينما رسم الفنان مارتينوف صورة الشيخ وعلى صدره وسام القيصر.
يقع الكتاب في عدة اجزاء يتضمن الجزء الأول كتابه الأهم " تحفة الاذكياء بأخبار بلاد الروسيا"، بينما يحتوي الجزء الثاني على مختارات من أعماله منها " أحسن النخب في معرفة لسان العرب" . وبعد ذلك تنشر في الكتاب مجموعة من الوثائق والمخطوطات ومؤلفات الشيخ الطنطاوي وسيرته الذاتية. وكذلك سيرة الشيخ التي كتبها الاكاديمي كراتشكوفسكي، بالاضافة الى صور فوتوغرافية لبعض مخطوطات ورسائل العلامة المصري.
ويعتبر هذا الكتاب مساهمة قيمة في تعريف القارئ العربي بأحد العلماء العرب الاجلاء والمجهولين لحد ما ، الذين اسهموا برصيد لا يقدر بثمن في نشر علوم اللغة ونفائس المصنفات الاسلامية في بلاد الروس البعيدة.