مباشر

نص المقابلة التي أجرتها شبكة قنوات "روسيا اليوم" مع الرئيس بوتين

تابعوا RT على
أجرت شبكة قنوات "روسيا اليوم" مقابلة صحفية مع الرئيس فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء 11 يونيو/ حزيران. وتطرق بوتين في المقابلة إلى العديد من القضايا الدولية المهمة بما في ذلك الأزمة السورية وموقف روسيا منها، والأوضاع في عدد من البلدان العربية، والملف النووي الإيراني، والخلافات العالقة بين موسكو وواشنطن.

أجرت شبكة قنوات "روسيا اليوم" مقابلة صحفية مع الرئيس فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء 11 يونيو/ حزيران. وتطرق بوتين في المقابلة إلى العديد من القضايا الدولية المهمة بما في ذلك الأزمة السورية وموقف روسيا منها، والأوضاع في عدد من البلدان العربية، والملف النووي الإيراني، والخلافات العالقة بين موسكو وواشنطن.

وإليكم نص المقابلة:

أهلا وسهلا السيد الرئيس، نشكركم على زيارتنا.

أهلا بكم. أشكركم على دعوتي إلى زيارة قناتكم. لدي انطباعات جيدة عما رأيته هنا. فعندما كنا نخطط لإطلاق هذا المشروع في عام ألفين وخمسة، كنا ننطلق من ضرورة ظهور لاعب جديد على الصعيد الإعلامي الدولي، من شأنه أن يتحدث بموضوعية عما يجري في بلادنا، بل ويحاول أن يكسرَ احتكار وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنكليزية في الرأي العام العالمي. ويبدو لي أنه يتسنى لكم القيامُ بذلك. وأريد أن أشدد على أننا لم نَسْعَ أبدا لأن تكون هذه القناةُ الوليدة مواليةً ومدافعة عن السياسة الروسية.

كنا نريد أن تظهر قناة إخبارية مستقلة على الصعيد الدولي. نعم تقوم الدولة الروسية بتمويلها، ولذا تعكس القناة مواقف السلطات الروسية الرسمية مما يجري في بلادنا وخارجِها بشكل أو بآخر. ولكني أشدد على أننا لم نخطط لإطلاق قناة RUSSIA TODAY  كوسيلة للدفاع عن السياسة الروسية الداخلية والخارجية.

قضيت وقتا كثيرا في سورية، وآخر مرة مكثت هناك أربعة وخمسين يوماً. تجولنا في هذه البلاد طولا وعرضا.. سبق لكم أن لاحظتم أن بشار الأسد ليس من الملائكة، فبالطبع التقيت مع أناس يكرهونه حقيقة.. والكثيرون في سورية غاضبون من روسيا، وإذا كان البعض يلومها لمساندة الأسد، فالبعض الآخر بالعكس يلومها لعدم قيامها بخطوات عملية لدعمه. ماذا يمكنني كصحفية عملت بكثافة على تغطية الأحداث السورية خلال السنتين الأخيرتين.. ماذا يمكنني أن أرد على جميع هؤلاء الناس بشأن الموقف الروسي؟

ذكرتم أنني قلت مرة إن بشار الأسد ليس من الملائكة. لكنني لم أقل هذا الكلام.. وأنا دائما أحرص على أن أكون دقيقا جدا في عباراتي. لكنني قلت إن الإصلاحات الجدية نضجت منذ وقت طويل في هذا البلد. وكان على قادة البلاد أن يشعروا بذلك في حينه، ويبدأوا بتحقيق هذه الإصلاحات. ولو فعلوا ذلك لما حدث ما يحدث الآن هناك. كما قلت إننا لسنا محامين للحكومة السورية القائمة والرئيس الحالي بشار الأسد. أود أن أقول أيضا إننا لا نريد التدخل في صراعات بين تيارات مختلفة داخل الإسلام، بين الشيعة والسنة. إنه أمر إسلامي داخلي. لدينا علاقات جيدة جدا مع العالم العربي وكذلك مع إيرانَ وغيرها. لكن ما الذي يقلقنا؟ وماذا وراء موقفنا الذي تعرفونه؟

انظروا إلى تطورات المنطقة بأسرها.. مصر ما زالت مضطربة.. ولا هدوء في العراق، وليست وحدة أراضيه مضمونة في المستقبل.. اليمن مضطرب.. ليبيا تشهد مناوشات عرقية وقبلية. المنطقة كلها وقعت - إذا جاز التعبير - في حالة من الغموض والنزاعات. وقد تنضم سورية إلى هذه القائمة. لماذا يحدث كل ذلك؟ لأن هناك من يظن أنه من الممكن إحلال السلام والهدوء في المنطقة عبر فرض نمط معين عليها، وهو نمط يروق لهم ويعتقدون أنه نمط ديموقراطي.. لكن الأمر ليس كذلك..

لا يمكن فعل شيء من دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخ البلدان وتقاليدها وخصوصياتها الدينية، وبخاصة من خلال فرض شيء من خارج.. تدخلوا في ليبيا. كان النظام السابق هناك جيدا أم سيئا، لكنَّ مستوى الحياة هناك كان الأعلى في المنطقة. وماذا يحدث هناك حاليا؟ نشاهد صراعا على الموارد، وصراعات قبلية لا تنتهي. ولا أحد يعرف كيف سينتهي كل ذلك.. نحن قلقون من أن مثل هذه الخطوات في سورية قد تفضي بها إلى حالة مماثلة. ألا يكفي لنا وجود تلك البقعة من الغموض والإرهاب التي تشكلت على حدود أفغانستان وباكستان، حيث لا توجد أي سلطة وليس هناك سوى قواعدَ للمسلحين. هل هذا هو ما نريده؟ وهي منطقة تقع على مقربة من حدودنا. هذا ما يقلقنا في المقام الأول.

كما يقلقنا مستقبل جميع المجموعات العرقية والدينية التي تقطن في الأراضي السورية. نريد للسلام والنظام المستقر أن يسودا في سورية. نريد أن تضمن المصالح والحقوق المشروعة لجميع سكان هذه البلاد. لذا فإن موقفنا كان يتلخص دائما في ضرورة إعطاء الناس فرصة للتوصل إلى اتفاق بشأن هيكلية السلطة في سورية وكيفية ضمان المصالح والحقوق المشروعة والأمن لجميع المواطنين، وذلك قبل الإقدام على تغييرات في النظام على أساس هذا الاتفاق، وليس العكس، أي طرد الجميع ثم إغراق البلاد في حالة من الفوضى. هناك سؤال يعجز شركاؤنا عن الإجابة عليه: هناك تنظيم يدعى جبهة النصرة.. وهو من العناصر المحورية في المعارضة المسلحة.. لقد أدرجته وزارة الخارجية الأمريكية في قائمة التنظيمات الإرهابية المتصلة بتنظيم القاعدة.. وهي حقيقة لا تخفيها جبهة النصرة نفسها. وماذا بعد؟ هل سيكون هذا التنظيم جزءا من الحكومة المستقبلية؟ يقولون لنا: لا. نقول: هل ستطردونهم  ببساطة؟ يقولون: لا. وماذا سيكون؟ يقولون: لا نعلم. ليس هذا مزاحا.. إنها أمور خطيرة جدا.. وهناك مثال آخر. من جهة نشاهد دعما يقدم لبعض المنظمات التي تحارب الأسد في سورية، لكن الدول التي تدعمها تواجه المنظماتِ نفسَها في مالي. وذلك حتى على مستوى أفراد تلك المنظمات الذين ذهب جزء منهم إلى مالي ويقاتلون هناك، ثم يعودون إلى سورية حيث يتلقون الدعم من جديد... هل هذا أمر منطقي؟ وما هي النتيجة الممكنة؟ ليس هذا كلاما فارغا.

وأنا آمل بنجاح المبادرات مثل تلك التي طرحها الرئيس المصري الذي التقيته في سوتشي مؤخرا، حيث اقترح تنشيط دور دول المنطقة في حل النزاع، أو مبادرة رئيس الوزراء البريطاني وهو مع تنشيط دور الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى مبادرتي كل من وزارتي الخارجية الروسية والأمريكية. وأنا آمل أن يمنح هذا العمل المشترك الفرصة المنشودة لتسوية الأزمة في البلاد.

خلال الأعوام الأخيرة الماضية عمل زملائي وأنا أيضا كثيرا على تغطية الاحتجاجات الجارية في أوروبا – من المهم بالنسبة لنا عرض ما يجري هناك.. أنا رأيت شبابا كثيرين جدا كانوا يشاركون في أعمال الاحتجاج تلك. نسبة البِطالة بين هؤلاءِ هائلة، وهم أول من تضرر من الأزمة. يتكون انطباع بانعدام الآمال بالتحسن لديهم. في نفس الوقت تعتبر بلادهم اتخاذَ الإجراءات التقشفية حلا لهذه القضية.. هل هذا التصرف صحيح؟ ستذهبون إلى اجتماعات مجموعة "الثماني" قريبا حيث لا بد من مناقشة تداعيات الأزمة. هل توجد لدى روسيا وصفة طبية ما؟ هل تظنون أن الحق مع الأوروبيين عندما يقلصون النفقات الاجتماعية بهذه الدرجة من الصرامة؟

هذه الطريقة صحيحة بالنسبة لهم وغير مقبولة لنا. وذلك لأن اقتصاداتنا مختلفة، حيث إن أسواقنا متنامية واقتصادنا من الاقتصادات الصاعدة، بينما هي في معظم البلاد الأوروبية اقتصادات متطورة، ونرى أوضاع هذه الاقتصادات اليوم مختلفة. اقتصادنا معافىً وسليم بصورة عامة لأن أعباء الديون الخارجية لا تكبِّله مثل ما هو الحال في أوروبا الغربية – وعلى فكرة – في الولايات المتحدة أيضا.. يبلغ متوسط حجم ديون الميزانيات الأوروبية زهاء تسعين في المئة بالنسبة إلى الناتج المحلي، وفي الولايات المتحدة حتى أكثرَ من مئة في المئة. هناك نسبة البِطالة كبيرة جدا، إضافة إلى أن نسبَ عجز الميزانية والدين العام هائلة هناك، بينما تبلغ نسبة الدين العام لدينا اثنين وخمسة أعشار في المئة. ويبلغ إجمالي ديوننا بما فيها عجز الميزانية عشَرةً في المئة.. نسبة البِطالة لدينا خمسةٌ وستةُ أعشار في المئة، بينما تتراوح في أوروبا بين خمسةٍ وعشرين وستةٍ وعشرين في المئة وأكثر. أما بينَ الشباب فتبلغ نسبة البِطالة هناك أربعين وأحيانا ستين في المئة. وهي كارثة حقيقية.. مواقفنا مختلفة. نعم بإمكاننا الانتفاع بأرباح الغاز والنفط. ومع ذلك أريد أن ألفت نظركم إلى أننا لا نستخدم ماكنة الطباعة لإصدار الأوراق النقدية للعملات الاحتياطية بينما يلجأ هؤلاء إلى ذلك. لا يعود جوهر الموقف إلى توفر احتياطيات لدينا بفضل أرباح الغاز والنفط بل إلى واقع أننا قمنا بتقليص مصروفاتنا. دائما توجه الانتقادات إلى البنك المركزي الروسي بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، التي تتراوح في روسيا بين ثماني نقاط وربع نقطة مئوية - وثمانية وخمسة أعشار في المئة، بينما تعادل في الولايات المتحدة ربع نقطة مئوية. ونفس الشيء تقريبا في أوروبا. ولكنَّ المركزي الروسي يثبت سعر الفائدة بهذه القيمة تجنبا لنفخ ما يسمى بالفُقاعات المالية. بالطبع يمكن توزيع قروض رخيصة كما يمكن إنتاج بضاعة بفضلها، ولكن لن يكون هناك طلب على تلك المنتجات. هكذا تتكون الفُقاعات المالية. تعتبر سياسةُ إيجاد التوازن بين تيسير سياسة الإقراض المالي وتشديد سياسة الإنفاق، تعتبر هذه سياسة اقتصادية قريبة من التفنن. أظن أننا أوجدنا ذلك التوازن وأصبح مجهودنا فعالا جدا. أنا آمل بأن تقترح الحكومة الروسية بعد إجراء كل تلك الاجتماعات خُطواتٍ إضافية تكون حوافزَ لاقتصادنا والنشاط التجاري. وأحد هذه الحوافز نلجأ إليه دائما وهو المحافظة على ثبات وتائر نمو الدَخل الحقيقي للمواطن – وهي بالمناسبة عالية عندنا - وهو موضوع نواجه فيه انتقادات عديدة من ناحية شركائنا خبراءِ الاقتصاد الليبراليين. كان مقدار النمو العامَ الماضي أربعةً وستةَ أعشارٍ في المئة. بينما ازداد خلال الأشهر الأربعة الأولى لهذا العام إلى أكثرَ من خمسةً في المئة. وتؤدي هذه الزيادة الواقعية إلى زيادة الطلب. كما قلت سابقا: واقعنا يختلف. أنا أتفهم مواقف بعض شركائنا الأروربيين الذين يرَون المخرج في تضامن الميزانية وتطبيق النظام والانضباط في الاقتصاد. بالطبع لكل شيء حدوده وبالطبع من المستحيل تحميل المواطنِ كل هذه الأعباء. 

نود كثيرا معرفة رأيكم في موضوع تعدد الثقافات. منذ وقت قريب اعترف زعماء الاتحاد الأوروبي على مضض، بفشل تجربة تطبيق نظرية تعدد الثقافات في بلادهم. عندما عشت ودرست في إنجلترا، ثم عندما عملت مراسلا لـ RT في فرنسا وبلجيكا كان من الواضح جدا أن هناك شيئا قليلا جدا يجمع بين السكان الأصليين والمهاجرين. يعيش كل من المجتمعات الإثنية وفقا لقوانينه وخصائصه المحلية. في كل مدينة توجد أحياء يقطنها البيض وأحياءٌ أخرى يقطنها غيرُ البيض في معظمهم. ويزداد هناك الشعور بعدم التقبل المتبادل. فلنضف إلى ذلك الأزمة المالية! من الواضح أنه في مثل هذه الظروف يجد الرادكاليون من كلا الطرفين دعما متزايدا. واجهت روسيا هي الأخرى مسارات هجرةٍ جَماعية. كيف يمكن لروسيا تجنب الأخطاء الأوروبية؟ ولماذا يمكن توقعُ نجاحِ تعدد الثقافات في روسيا بعد فشل هذه النظرية في أوروبا؟

أوضاع الانطلاق مختلفة. تظهر المسائل المتعلقة بالهجرة في أوروبا الغربية وحتى في الولايات المتحدة بقساوة زائدة، لأن المهاجرين القادمين إلى تلك الدول لا يقدرون على الاندماج بسبب عدم معرفة اللغة وعدم وجود الرغبة في إتقانها وكذلك الاستجابة لسوق العمل. فمثلا من غادر إفريقيا الشمالية لم يستطع بعضهم إجادة اللغة الإسبانية – هذا نقلا عن شريكي الإسباني – بعد مرور عشرِ سنوات على وصولهم إلى وطنهم الجديد. ينطبق هذا الكلام على الذين هاجروا من روسيا إلى أمريكا، إذ روى لي شخص قصة سيدة عجوز ظلت تعيش في أحد أحياء نيويورك المشهورة بين الروس نحوَ خمسةَ عشرَ عاما دون أن تتكلم بالأنجليزية، وفي يوم من الأيام، قالت إنها ستذهب إلى نيويورك غدا. وذلك لأنه لم تكن صلة في ذهنها بين الحي الذي تسكن فيه وتلك المدينة الكبرى. هذه القضية قضية مشتركة وترتبط قبل كل شيء بضرورة جذب اليد العاملة الرخيصة. إننا نواجه نفس المشكلة ولكن مهما كانت ساخنة وشائكة لا تصل حدتها إلى مستواها في البلاد الغربية. إذا تحدثنا حول الهجرة إلى روسيا فلا بد من الاعتراف بأنها ترتبط بالمهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ورغم سوء إجادة اللغة الروسية من قبل أفراد الجيل الجديد هناك أعضاء أسر آخرين يتكلمون الروسية بدرجات مختلفة من الإتقان. كما يبقى هناك نوع من التفكير الموحد وذاكرة تاريخية مشتركة. لبعضهم أقرباءُ يسكنون في مناطق روسية ما يسهل عملية الاندماج والتأقلم في البيئة الجديدة. من جهة أخرى تبرز أمامنا في هذا المجال مُهمات عديدة لا نستطيع حلها بكاملها حتى الآن، ومنها فتح مراكز تدريس اللغة الروسية في تلك الجُمهوريات التي أصبحت دولا مستقلة. كما يجب غرس روح المسؤولية في نفوس الذين يريدون المهاجرة إلى روسيا ويرغبون في الحصول على الجنسية الروسية وتذكيرهم بواقع وصولهم إلى بلد آخر، حيث من الواجب عليهم احترام تقاليدنا ومراعاة قوانيننا وكذلك احترام ثقافتنا وتاريخنا. بعتبر هذا العمل كبيرا ومستقلا وكان مهملا سابقا. وعلينا أن نجتهد في هذا المجال الآن بتوجه. بالنسبة للهجرة الداخلية توجد هناك مشكلات أيضا. في أيام الحِقبة السوفييتية كانت هذه المشكلة تحل بسهولة إذا لم تكن لدى شخص ما إقامة مسجلة في مكانٍ ما فإنه كان يُبعد إلى مكان آخر. ويعتبر دستورنا الحالي تسجيل مكان الإقامة أمرا غير قانوني. نحن نحتاج إلى آليات حديثة. ,أعيد القول إننا نمتلك أفضليات تكمن في أننا شعب متعدد القوميات وفي الوقت نفسه نحن نمثل حضارة واحدة.

أنا من صربيا. وأعيش في روسيا أحد عشر عاما. وأصبجت روسيا وطني الثاني. ولحد الآن لا توجد لدي الجنسية الروسية. وبعد تقديم السندات اللازمة ستستغرق العملية خمسَ أو ستَ  سنوات على الأقل. وقبل أن أقوم بذلك يجب أن تكون لدي شَـقة. ومن أجل شراء شَـقة يجب أن آخذ قرضا عَـقاريا. ومن أجل أن آخذ قرضا عَـقاريا يجب أن تكون لدي جنسية روسية. هناك حلْقةٌ مفرَغة. ويبدو أن الحصول على الجنسية  في الغرب أسهل منه في روسيا. هل سيتغير شيء في هذا المجال في روسيا؟

علينا أن نعمل بدقة عالية لضمان مصالح السكان الأصليين في روسيا الإتحادية قبل كل شيء. وفي بلدنا خمسة وثمانون في المئة من السكان يعتبرون أنفسهم روسًا. والشعوب الأخرى في بلادنا تشكل أهمية أكبر بالنسبة لنا، مقارَنةً بالقوميات القاطنة خارج روسيا الاتحادية من شعوبنا الأصلية. ويتجاوز عددها مئةً وعشرين شعبا. ولكن الحق معك. وأعتقد أنه يجب علينا تعديلُ سياستنا هذه في بعض الحالات. ولا بد من اجتذاب أشخاص مؤهلين ليعملوا في مختلف المجالات في بلدنا. وفي دول كثيرة (والمثال الساطع منها كندا) أقرت برامج استقطاب المختصين الذين يحتاج إليهم البلد. وللأسف في بلدنا تجمدت الأمور في هذا المجال. ولكن ظهرت الآن بعض الأفكار واتُخذت  بعض الخطوات لدعوة من يسمَون مواطنينا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وتسهيل عملية حصولهم على الجنسية الروسية شريطة أن يكونوا مطابقين لبعض المواصفات. ولكن إجمالا بطبيعة الحال يجب أن تكون سياستنا ازاء المهاجرين أكثر مرونة. ويجب عليها أن تضمن مصالح سكاننا الأصليين أولا وكذاك يجب عليها أن تكون أكثر مرونة لجذب اليد العاملة التي نحتاج إليها. الحكومة الآن تعمل على هذه الأمور.

ما تصوركم في موضوع تطبيع العلاقات مع جورجيا ، علما أن جورجيا أعلنت مشاركتها في أولمبياد سوتشي وأنها جاهزة لتقديم مساعدات أمنية.

سبق لي أن تحدثت أكثر من مرة عن جوهر الموقف الروسي. وأعتبر أن الرئيس الجورجي الحالي ارتكب خطأ كبيرا. وكنا نتحدث معه أكثر من مرة بهذا الشأن. وأظن أنه يوافق على ذلك. وقلت له يا ميخائيل يمكنك اتخاذُ أي خُطوات بشرط ألا تتسبب في إسالة الدماء. وكان يقول لي كل مرة نعم، هذا الأمر مستحيل، وسنتحلى بالصبر وسنتعامل مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. لكن الأمر انتهى بنشوب الحرب مع الأسف. والكثير من زملائكم في أوروبا وفي الولايات المتحدة وجورجيا وغيرها من البلدان يتهمون روسيا في أغلب الأحيان . لكنني اظن أن أي مراقب موضوعي يفهم أن روسيا لا علاقة لها بذلك، علما أن هذا النزاع القومي يستمر على مدى عقود وحتى مئات السنين. ولا يمكن ألا تعرف ذلك جورجيا ، وخاصة فيما يتعلق بأحداث عام ألف وتسعِمئةٍ وتسعةَ عشر وعام ألف وتسعِمئةٍ وواحد وعشرين، ولا يمكن ألا تعرف العلاقات بين البشر. وكان يجب أن يتحلَوا بالصبر والحكمة لإقامة العلاقات في إطار دولة واحدة مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا على حد سواء. لكن مع الأسف لم يحصل ذلك. واتخذت روسيا ردا على ما حدث خطوة أدت إلى الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. ولا يمكن أن اتصور اتخاذ خطوة إلى الوراء. لكن ذلك يعتبر خطا أحمر بالنسبة إلى جورجيا لا يمكن هي أيضا تتخطاها لأنها تناضل من أجل استعادة وحدة أراضيها كما تعتقد. وتحتاج هذه المشكلة إلى دراسة حذرة جدا، وليس إلى اتخاذ قرار صائب فحسب، بل وكذلك إلى الرغبة في حل المشكلة انطلاقا من مصالح الناس الذين يقطنون في هذه المنطقة. ولا يمكن أن اقدم صياغة أدق من ذلك. وفي حال اتخاذ موقف يحترم مصالح الناس الذين يقطنون في هذه الأراضي وإيجاد حل بناءً على هذا الموقف فإن القرار يمكن أن يكون طويل الأجل. لكن الناس الذين يقطنون في المنطقة بوسعهم هم فقط القيام ذلك دون فرض أي حل خارجي. فيما يتعلق بقرار الحكومة الجورجية الجديدة بالمشاركة في الدورة الأولمبية واتخاذ خطوات إيجابية أخرى فإننا نراها، وبإمكاننا تقديرها. ونحن كما لاحظتم نرد بالمثل.

وفيما يتعلق باقتراح تقديم مساعدات أمنية؟

نحن جاهزون للتعاون مع جورجيا. نحن نريد استئناف العلاقات معها. وعلاقتنا بجورجيا هو علاقة حميمة جدا. وشعبانا متقاربان جدا. وأنتم مثلا تعيشون هنا ولديكم جنسية روسية. وهناك عدد كبير من الجورجيين يقيمون في روسيا التي تعتز بإنجازاتهم وتصفها كأنها إنجازات حققها مواطنوها، ناهيك عن مشاركة الجورجيين في حرب عام ألف وثماني مئة واثني عشر. ونعرف ما المقصود بالأمر، وهناك حِقبة سوفيتية والمرحلة الراهنة أيضا . وتعتبر الثقافة الجورجية ثقافة قريبة منا. وفي حقيقة الأمر هناك روابط كثيرة تجمع بيننا ، ناهيك عن الجوانب الدينية. وسبق لي أن التقيت بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية. واقتنعت بأنه رجل طيب. وإنه جورجي حقيقي يركز في كل لحظة على مصالح جورجيا والشعب الجورجي. لكنه يتخذ موقفا حكيما وهادئا. وتعرفون أننا اتخذنا قرارا بفتح السوق الروسية أمام البضائع الجورجية. ونحن نفهم أن ذلك يعتبر أمرا هاما وربما هو أمر غير محوري. لكنه أمر هام لجورجيا واقتصادها. وسنواصل فيما بعد المضي قُدما في هذا الاتجاه وسنطور علاقاتنا. أما المشاكل المعقدة فيجب أن يحلها الناس الذين يقطنون في هذه الأراضي عن طريق الحوار ودون أي ضغط خارجي.

فيما يتعلق بتأشيرات الدخول. وسبق لي أن وجهت هذا السؤال إلى الرئيس السابق دميتري مدفيديف، الذي قال إنه ما دام الرئيس سآكاشفيلي يتولى الرئاسة فلا يمكن أن يدور الحديث حول هذا الأمر. فما هي الخطوات، التي يجب اتخاذها لأزور أقربائي كما يزور أصدقائي جورجيا لأن الأخيرة قد ألغت تأشيرات الدخول.

إذا اقيم بيننا تعاون في مجال مكافحة الجرائم والإرهاب فيمكن أن يتحقق ذلك. لكن ليس هناك سر كبير اذا قلت إن عناصرَ إرهابية تتسرب إلينا دائما إلى القوقاز من الأراضي الجورجية. وعندما وجهنا منذ ست أو سبع سنوات ضربات إلى الأراضي الجورجية استهدفنا مجموعات إرهابية اقتربت من مدينة سوتشي على مسافة ثلاثين كيلومترا.

المقصود بالأمر هو وادي كودور

كلا هي منطقة أخرى. هذا الأمر غير مهم. لكن من المهم أن شاحنات تابعة لوزارة الداخلية الجورجية كانت تنقل الإرهابيين إلى الحدود مع روسيا. واضطُررنا لاتخاذ خطوات استباقية. وسبق لي أن اطلعت الرئيس الجورجي آنذاك على هذا الأمر. ونتمنى ألا يتكرر ذلك ابدا في تاريخنا. ونحن نريد التعاون مع جورجيا ونريد استئناف العلاقات بحجمها الكامل. وفي حال إقامة التعاون بين اجهزة الأمن والاستخبارات فستكون تلك خطوة أولى على طريق إلغاء تأشيرات الدخول.

هناك قلق متزايد من تواصل سقوط ضحايا مدنيين في هجمات الطائرات من دون طيار، التي يتم التحكم فيها على بعد آلاف الكيلومترات بشكل يشبه ألعاب الكمبيوتر، والآن هناك اقتراحات على مستوىً عالمي لمنع الهجمات من هذا النوع. ما هو موقف روسيا في هذا الشأن؟

في وقت ما تم اختراع البارود في الصين، ولم يتمكن أحد من منع انتشاره، ثم صنعوا بعد ذلك الأسلحة النووية وبدأت بدورها تنتشر. الوسائل العصرية لخوض المعارك تطورت بشكل جيد وستتطور أكثر. وأنا أشك في إمكانية منعها كلها، ولكن وضعها تحت الرقابة وإخضاعها لقانون محدد، طبعاً أمر ممكن وضروري.

الولايات المتحدة لا تسعى الى سقوط مدنيين ضمن ضحايا هجمات الطائرات من دون طيار، وأولئك الذين يوجهون تلك الطائرات هم أناس طبيعيون ويدركون ذلك جيدا. ولكن في الوقت نفسه، فإن محاربة الإرهاب أمر ضروري. أكرر مرة أخرى، وبحسب علمي فإنه تجري مناقشة هذه المسألة في الولايات المتحدة، وكذلك في أروقة الأمم المتحدة، ومن يوم إلى آخر، تُطرح هذه القضية بشكل أكبر.  هنا أعتقد أنه يجب وضع رقابة على هذه الطائرات وتقييد استخدامها بقوانين محددة وذلك لتقليص عدد الضحايا من بين المدنيين، ولِما لا يتلافى الأمر من أساسه. وهذا أمر بالغ الأهمية. لست أعرف إن كان شركاؤنا سيوافقون على ذلك، وأعتقد أنه من مصلحتهم الموافقة على ذلك.

وهناك مخاطر أخرى؛ مثلا، في الولايات المتحدة يناقشون استخدام الصواريخ الباليستية الاستراتيجية غير الحاملة للرؤوس النووية. هل تتصورون مدى خطورة هذه الصواريخ؟ فمثلا لو تم إطلاق صاروخ من هذا النوع من إحدى المنصات في المحيط الهادئ،، وفيما لو أنذرت أجهزة ورادارات تتبع الصواريخ بوجود صاروخ يتجه نحو دولة نووية، فمِن أين لهم أن يعرفوا ما إذا كان مزودا برؤوس نووية أم لا. كيف لها أن تعرف إن كان سيسقط في أرضها أم على حدودها.. تصوروا كيف سيكون رد فعلها وتصوروا حجم الخطر. هناك أيضا نظرية حول استخدام الأسلحة النووية ذات القدرة المنخفضة.. هل تتصورون إلى أي مدى يمكن أن يهمش ذلك خطورة الاستخدام نفسه. أين سقف وحدود استخدام تلك الصواريخ؟ ومن يحددها؟ ترَون لدينا مخاطرُ كثيرة في عالمنا الراهن، وهناك طريق وحيد لمواجهتها وهو العمل المشترك في إطار القانون الدولي.

يبدو أننا نعيش في عصر المعارضة، فهناك الربيع العربي والأزمة في أوروبا وحركة Occupy في الولايات المتحدة التي قامت قناة RT بتغطيتها بشكل ممتاز. ماذا عن المعارضة في روسيا؟ تشير استطلاعات الرأي العام إلى أنها لا تحظى بتأييد كبير. ما نوع المعارضة التي تريدون أن تكون في مواجهتكم؟ وما دور السيد كودرين؟

إن أية معارضة مفيدة. ذكرتم الآن حركة Occupy Wall street. رأينا أنه في مرحلة ما بدأت أجهزة السلطة والشرطة تتصرف بحزم بحق نشطاء Occupy Wall Street. أنا لا أتحدث الآن عما إذا كان ذلك صائبا أم لا، بل أريد فقط أن أقول إن أية معارضة جيدة وصائبة ومفيدة إذا كانت تتصرف في إطار القانون، وإذا كانت القوانين لا تعجبها، فعلى المعارضة العمل على تغييرها بطرق ديمقراطية والسعي لاكتساب تأييد الناخبين والدخول إلى الجهات التشريعية حتى تكون لها قدرة على التأثير على عملية وضع القوانين، وتغيير الواقع بهذه الطريقة. إذا كان هناك أشخاص يتصرفون خارج إطار القانون، فعلى الحكومة، وتحقيقا لمصلحة الأغلبية، استخدام الوسائل القانونية حتى يلتزم الجميع بالقانون. يحدث ذلك في الولايات المتحدة وعندنا. إلا أنه يتم انتقادنا على ذلك، بينما عندما يحدث ذلك في الولايات المتحدة، يعتبر سلوكا طبيعيا. هذه هي المعايير المزدوَجة، وقد تعودنا عليها منذ زمن ولا نعيرها الانتباه كثيرا. إلا أن هيئتنا الدبلوماسية لا تتعاون بنشاط مع Occupy Wall Street، بينما تتعامل هيئتكم الدبلوماسية (مع المعارضة الروسية) وتدعمها بشكل مباشر. من وجهة نظري، ذلك خطأ، لأن مهمة الهيئات الدبلوماسية هي تسيير العلاقات بين الدول وليس الغوص في شؤون السياسة الداخلية. لا يحتاج أحد إلى روح المغامرة هذه، وهي لا تعجب أحدا، وهي تخالف القانون إذا كان المشاركون في هذه الحركات ينتهكون القوانين المعمول بها. إذا لم يكن هناك انتهاك للقانون ويعبر الأشخاص عن موقفهم بطرق قانونية، فهذا حقهم وهو أمر إيجابي بالنسبة لأي بلد، لأن ذلك هو فرصة لتعريف المواطنين بأعمال السلطة وتقييمها على مختلف الاتجاهات من السياسات الاجتماعية والداخلية والخارجية.

فيما يتعلق بالسيد/ كودرين، فإنه رفيقي منذ زمن طويل. وكثيرا ما تتطابق آراؤنا في قضايا مبدئية فيما يتعلق بتنمية البلاد. ولا يمكن أن يكون الأمر على غير ذلك، فعملنا سويا في بطرسبورغ، وكان عضوا في حكومتي لسنوات، وكان من الأشخاص الأكثر فاعلية. ألفت انتباهكم إلى أنني كنت أدعمه دائما في القضايا المبدئية. وما كان بإمكانه أن يعمل من دون دعمي. وما كان له أن يحقق تلك الأفكار والمبادئ التي كان يدافع عنها. فإلى درجة كبيرة كانت تلك سياستنا المشتركة. له وجهة نظره في بعض الأمور، واختلف في وجهات النظر مع دميتري مدفيديف في عدد من المواقف. عندما كان مدفيديف رئيسا، كان من حقه اتخاذ قرارات معينة. والآن يزعم ألكسي كودرين أنه قد يعود إلى السلطة التنفيذية إذا كانت السلطة تتصرف بحسم أكثر. ولكن التصرف بحسم أكثر يعني المزيد من الحزم على مسار إصلاح نظام المعاشات التقاعدية ورفع سن التقاعد. لا يرغب أحد، بمن فيهم ممثلو المعارضة، في أن ينطق بذلك. رغم أنهم يعتبرون ذلك صائبا، فإنهم لا يريدون النطق به. يجب تقليص النفقات وفي مقدمتها النفقات الاجتماعية. يرى الكثير من الليبراليين أننا نبالغ في النفقات الاجتماعية ونرفع المرتبات والمعاشات والإعانات الاجتماعية بسرعة مفرطة، وأن زيادة الإيرادات الحقيقية للسكان بنسبة أربعة وعشرين في المئة في العام الماضي وخمسةٍ وتسعةِ أعشار في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري غيرُ مبررة، وأن إنتاجية العمل أقلُ من معدلات زيادة الأجور، وأن ذلك سيئٌ وخطر على الاقتصاد. يصعب عدم الاتفاق مع هذا. وبالمناسبة لديهم في الواقع الحق في ذلك. ولكنْ ربما بجب عدم خفض سرعة زيادة الإيرادات الحقيقية للسكان، بل العملُ على زيادة الإنتاجية. ولكن الجزء الواعي من المعارضة يتحدث عن ذلك صراحةً في المحادثات الخاصة معنا، ولا تجرؤ على النطق بذلك أمام الجمهور. في الواقع هذا غير صحيح، وقلت لهم مرارا ذلك. إذا كان هذا موقفكم، فقولوه علنا ولا تخشَوا عدمَ إعجاب جزء ما من المواطنين بذلك، لأن تبنيَ موقف مبدئي فقط يسمح بنشر رأيكم وتأييده. تم إيصال بعض الدول في أوروبا إلى الإفلاس، ومهما قلته للناس، فإنهم لا يريدون تخفيض المرتبات. لذلك ربما الأصح هو العمل برفق أكثر في زيادة النفقات الاجتماعية والاقتراض إلخ. وسيكون ذلك مفيدا بالنسبة للسلطات أيضا، إذا كان هناك من يتحدث عن ذلك دائما. أنا لا أعتقد أننا نُفْرط في زيادة المعاشات والأجور والإعانات الاجتماعية، ولكن هناك منطقا ما في ما يقوله لنا أشخاص أمثال كودرين، ويجب الاستماع إليهم. ولذلك، فإن المعارضة الوطنية الواعية مطلوبة جدا.

يبدو أن إيران مثال ساطع على توتر العلاقات بالدرجة الأقصى على أساس تناقضات غير جوهرية. لأن الموقف من البرنامج النَووي يستند إلى شبهات غامضة لا يثبتها حتى الأمريكيون أنفسهم من سنة إلى أخرى. ولكن إيران تلتزم بنسبة تسعة وتسعين أو مئة في المئة بنظام عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل. وأعتقد أن القضية الأساسَ هنا تكمن في طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. ولا شك في أن إيران كانت تساهم في تأجيج الوضع. ولكن المشكلة هي في المبدأ الرئيسِ للسياسة الخارجية الأمريكية وهو تقسيم الدول إلى أصدقاءَ وأعداء. من ليس معنا فهو ضدنا. ويظهر من ذلك خطر الحرب على أساس شبهات باطلةٍ ضد إيران، أو المساهمة في الحرب مثل ما هو الأمر في سورية. وقد استطاعت روسيا تجنب الزوايا الحادة الكثيرة.. كيف تفهم هذا في ضوء ضمان أمن روسيا؟

الموقف الرسمي لروسيا الاتحادية يتلخص في أن إيران تملك الحق في برنامج نووي سلمي. ولا يمكن أن تتعرض للتفرقة من المجتمع الدولي. وبالرغم من ذلك لا يجوز نسيان أن إيران تقع في منطقة معقدة جدا. وعندما نسمع تهديدات إيران للدول المجاورة، وبوجه خاص ضد إسرائيل، باحتمال القضاء عليها نعتبرها أمرا غير مقبول إطلاقا. أنا لا أشك في أن أيران تلتزم بالقواعد في هذا المجال. ليست هناك إثباتات على عكس ذلك. وجاء في التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تنفذ التزاماتها مبدئيا.

أنا أنظر إلى إيران باحترام كبير وباهتمام كبير. إيران بلد عظيم... بلد الثقافة العظيمة والتاريخ العظيم والشعب العظيم... لديهم اعتداد خاص بهم وفهم لمكانتهم ليس في المنطقة فحسب بل وفي العالم أيضا. ولا بد من إبداء الاحترام لكل هذا. ويكمن جوهر القضية في أن الإيرانيين كونَهم أذكياءَ ومتعلمين وماكرين في السياسة يستغلون المواجهة ضد الولايات المتحدة لحل قضاياهم السياسية الداخلية. هناك عدو وهو يوحد المجتمع.

اعتقد أن الولايات المتحدة تمارس نفس الشيء. لأنه لا يوجد لديها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي خطر خارجي يمكنها من الهيمنة على المجتمع الغربي. وتسعى الولايات المتحدة دائما للدفاع عن حلفائها من أحد ما. وهذا يمنحها تفوقا ليس في السياسة فحسب بل وفي الاقتصاد. إن للبلد الرائد حقا في الامتيازات. وأنا أعتقد أن الولايات المتحدة تستغل إيران لنفس الهدف، أي لتوحيد حلفائها الغربيين أمام الخطر الواقعي أو الوهمي. هذه المعضلة ليست صعبة بالنسبة لروسيا. نحن ننفذ كل التزاماتنا الدولية باستمرار، بما فيها المرتبطةُ بالبرنامج النووي السلمي الإيراني. لقد بنينا محطة بوشهر، ونحن مستعدون لمواصلة التعاون. على سبيل المثال اقترحنا تخصيب اليورانيوم على أراضينا، ولكن شركاءنا الإيرانيين رفضوا ذلك لأسباب ما. وهم يصرون على تخصيب اليورانيوم بصورة مستقلة في إطار القواعد الدولية. ونحن سوف نستمر في دعم حقهم. ولكن دعونا لا ننسى قلق الدول المجاورة والمجتمع الدولي على التزام طهران بهذه القواعد...

لا توجد تناقضات إيديولوجية حاليا بين روسيا والولايات المتحدة، والتناقضات بيننا ذات طابع ثقافي وحضاري. العقلية الأمريكية تعتمد على الفكرة الفردية. فيما تعتمد العقلية الروسية على الفكرة الجَماعية. أحد الباحثين في مؤلفات بوشكين تحدث عن ذلك بدقة قائلا: إن تفكير الإنسان الروسي يندفع إلى ما وراء الأفق، وإلى التواصل مع الرب. تلك هي فلسفة حياتنا. ولذلك من الصعب تفهم الروح الروسية ولكن هذا الأمر ممكن. الولايات المتحدة دولة ديموقراطية من دون شك، ومن البداية كانت تتطور كدولة ديمقراطية. فعندما بدأ الناس يتدفقون إلى هذه القارة كانوا يعملون على بناء العلاقات فيما بينهم مضطرين للقيام بذلك عبر الحوار. لذلك تولدت أمريكا كديمقراطية من حيث جذورها. ومع ذلك علينا ألا ننسى أن غزو القارة الأمريكية كان يجري كتصفية عرقية واسعة النطاق وغير مسبوقة في تاريخ البشرية.

والأوروبيون عندما وصلوا إلى أمريكا كانوا يقومون بذلك جهارا ونهاراً. البشرية لا تعرف أمثلة عديدة من هذا القبيل فعلى سبيل المثال تدمير قَرطاجة على يد الرومان وعندما انسحبوا منها بعد غزوها وتدميرها ذروا الملح على التربة كي لا تنبت عليها أي نبتة. والأوروبيون أثناء غزوهم للقارة الأمريكية لم يذروا الملح على الأرض، لأنهم كانوا يزرعونها بل قاموا بإبادة شبه شاملة لسكانها الأصليين. وبعد ذلك تعرفت أمريكا على العبودية. وتوغلت هذه الأخيرة في أعماق نفوسهم لدرجة أن كولين باويل، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كتب في مذكراته وتحدث عن آلامه النفسية وهو إنسان أسمر البشرة، يحاول أن يشق الطريق أمامه ليجد مكانة اجتماعية لائقة له. وهو يتعرض لأنظار عدائية من قبل الآخرين. إذا هذه الأحاسيس لا تزال موجودة في أفئدة الناس حتى الآن. من جهة أخرى نعرف جوانب كثيرة من المجتمع السوفيتي السابق. على سبيل المثال ستالين الذي يعتبره الكثيرون طاغية. لا أتصور أنه كان قد يُقدم على قصف ألمانيا المهزومة باستخدام قنبلة نووية في عام ألف وتسعِمئةٍ وخمسة وأربعين. أما الولايات المتحدة فاستخدمت القنبلة النووية أثناء قصف اليابان المهزومة غيرَ النووية في العام نفسه. بالتالي بيننا خلافات كثيرة، ولكننا نسعى لإيجاد سبل للتفاهم، وليس أمامنا خِيار آخر. بل وفي الفترات الحرجة في التاريخ كنا نجمع جهودنا، كما حصل في الحربين العالميتين. إذا لدينا مصالحُ جوهرية مشتركة ويجب التركيز عليها، لتطوير التعاون الثنائي.

السيد الرئيس، في سياق الحديث تطرقتم الى الخلافات الأساسية التي تُباعد بين روسيا والولايات المتحدة. أريد أن أسألكم عن الخلافات على الصعيد الدبلوماسي. أثناء تواصلنا مع الساسة والخبراء الأمريكيين نسمع أقاويلهم حول أن قانون ماغنيتسكي حل محل تعديل جاكسون- فينيك، الأمر الذي يُظهر مواقفَ باليةً من روسيا. باراك أوباما لمح للرئيس ميدفيديف في العام الماضي في قمة سيئول الى انه سيكون بعد إعادة انتخابه اكثرَ حريةً في اتخاذ القرارات والتعامل مع روسيا غير ان الواقع جاء معكوسا. في رأيكم لماذا لم تتم إعادة تشغيل العلاقات الروسية الأمريكية؟ وهل ينتظر الأمريكيون أن نتنازل عن مصالحنا القومية؟

أي دولة تسعى لتأمين مصالحها القومية وبهذا المعنى الولايات المتحدة ليست استثناءً. ويدرك الجميع أن الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أضحت زعيمة العالم لوحدها لفترة معينة وذلك اصبح معضلةً بالنسبة لها. وهذه المعضلة تتمثل في أن الولايات المتحدة أصبحت تشعر بأنها إمبراطورية. وهذا العامل يولد عناصر معينة ليس في السياسة الخارجية فحسب بل وفي السياسة الداخلية. الإمبراطورية لا تستطيع أن تُظهر أنها ضعيفة. ولكنْ اي سعي للتوصل الى الاتفاق على أساس المساواة يُقرأ داخل البلاد كإظهار لنقاط الضَعف. وهذا ما لا تستطيع قيادة البلاد السماح به لنفسها لأسباب سياسية داخلية.

أنا على يقين من ان القيادة الأمريكية الحالية تعي تماما أنها وحدَها لن تتمكن من حل القضايا العالمية المعاصرة. بل هم يريدون ذلك ويستخدمون الأساليب الإمبراطورية نظرا لاعتبارات السياسة الداخلية لكي لا يوجه اليهم الاتهام بانهم ضعفاء. ومن أجل استخدام أساليب أخرى يجب امتلاك ثقة الناخبين غير المحدودة أو يجب ان يحدث شيء داخل البلاد ليغير نمط التفكير حتى يدرك الجميع ان إيجاد حلول وسط افضل بكثير من فرض وجهة نظرك على الجميع وفي كل مكان. ويجب ان يمر بعض الوقت لكي يتغير نمط التفكير داخل البلاد أي في الولايات المتحدة، وقبل كل شيء في النخبة الأمريكية الحاكمة. لا أعتقد ان هذا الأمر مستحيل. بل علينا ان نتوجه نحو ذلك وأعول على ذلك جدا. شكرا لكم على الدعوة، أتمنى لكم النجاح والتوفيق.

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا