تحتفل روسيا في هذه الأيام بالذكرى السبعين لفك الحصار عن لينينغراد، المدينة البطلة التي صمدت أمام مخططات هتلر، وقاومت حتى استطاعت دحر النازيين. ولم يكن أطفال لينينغراد، أطفال الحصار الذين كان قوتهم اليومي 125 غراما من الخبز، لم يكونوا ليصدقوا أن الحصار يمكن أن يتكرر يوما ما بعد النصر والقضاء على النازية. لكن شتاء الفاشية عاد لمحاصرة شعب بأكمله. نازية هتلر أشعلت الحرب العالمية الثانية لإعادة اقتسام العالم الذي كان موزعا على الدول الاستعمارية التقليدية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، والنازية الجديدة تعمل على فرض الهيمنة على جزء من العالم كان حتى اليوم خارج إطار السيطرة الاستعمارية.
نعم، لقد انفرط عقد الاتحاد السوفيتي وابتلع الثعبان الأمريكي أعضاء حلف وارسو، لكن الحرب الباردة لم تنته، وعدوان الغرب على الشرق متواصل على كافة الصعد وفي كل مكان.
لقد حفظت قوى العدوان دروس الماضي، فالحرب العالمية انتهت بتأسيس الأمم المتحدة والقضاء على الاستعمار. لذلك تجري الحرب الراهنة على خلفية تهميش دور المنظمة الدولية، ولامكان فيها لمواجهة مباشرة فإما أن يظهر المعتدي كالجزار لذبح الخصم المنهك أو يجنّد أبناء البلد ليقاتلوا بعضهم بعضا بأسلحة وأدوات يبيعها لهم بأموال إخوانهم وجيرانهم.
لينينغراد ضحّت بعشرات الآلاف من أبنائها وفكّ الحصار كان بداية العد العكسي، بداية الطريق إلى الغرب، طريق تفكيك النظام الاستعماري. وسورية اليوم ضحّت بعشرات الآلاف من أبنائها، وفكّ الحصار عنها سيكون نهاية وبداية، نهاية للحرب الباردة، وبداية طريق جديد، طريق يؤدي إلى احترام القانون الدولي، وإلى قواعد جديدة في التعامل بين البلدان تمنع توظيف الإرهاب لخدمة المصالح الضيقة، وتقدّس حياة الإنسان بغض النظر عن هويته.
سورية، لينينغراد القرن الحادي والعشرين، كلها حقد على قوى البغي والعدوان، وكلها شفقة على الراكضين خلف الدولارات النفطية. ملؤها القرف من دعاة الدين المستورد من بدو يكفّرون ملكهم إذ قرر إدخال النساء إلى مجلس الشورى، وملؤها الحب للإنسان.
رائد كشكية
المواضيع المنشورة في منتدى "روسيا اليوم" لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".